فإن قيل : إذا اشترطتم على الاصطلاح الأصولى أن يكون الترك والمتروك / مقدورين ، فمن ترك الصلاة بفعل ضدها : فإما أن يقولوا : بأن الصلاة مقدورة حالة كون ضدها مقدورا ، أو لا يقولوا بكونها مقدورة.
فإن كان الأول : فهو خلاف أصلكم فى تعلق قدرة واحدة ، أو قدرتين بضدين معا ؛ ضرورة أن المقدور لا بد وأن يكون مقارنا للقدرة عند تعلقها به ، وذلك يفضى إلى اجتماع الضدين ؛ وهو محال.
وإن كان الثانى : فالصلاة غير متروكة ؛ لفوات شرط الترك ؛ وهو خلاف الشرع. واصطلاح العقلاء وأهل اللسان.
قلنا : ليس المراد من قولنا : يجب أن يكون الترك ، والمتروك مقدورين معا ؛ بل على سبيل البدل ؛ وذلك لا ينافى ما ذكرناه.
ومن المعتزلة : من شرط فى الترك أن يكون التارك معتمدا بالفعل الانفكاك عن ضده.
وهو بعيد ؛ فإنه إذا لم يبعد كونه متصفا بالفعل مع عدم القصد : كما فى الفعل القليل فى حالة النوم ؛ فكذلك فى الترك.
ومن المعتزلة : من زعم أن الترك من أفعال القلوب : وهو انصراف القلب من ارتياد الفعل ؛ بخلاف أفعال الجوارح.
وهو بعيد أيضا ؛ فإن العرب تقول : ترك فلان القيام ، وإن لم يخطر لهم ما هجس فى (١) قلبه.
ومنهم : من لم يجوز إطلاق الترك على الله ـ تعالى ـ وهو خلاف قوله ـ تعالى (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (٢).
وبالجملة : فالنزاع فى هذه الإطلاقات آئل إلى الاصطلاح ، ولا حرج فيه.
وإذ أتينا على ما أردناه من الأصول ، ونقحناه من الفصول ، فنعود إلى المقصود من خلق الأفعال.
__________________
(١) فى ب (له فى).
(٢) جزء من الآية رقم ١٧ من سورة البقرة.