ثم كيف السبيل : إلى إنكار المعتزلة انقسام القدرة : إلى مؤثرة ، وغير مؤثرة. ومن أصلهم : أن الإرادة مما تقع بها الصفات التابعة للحدوث كصرف صيغة أفعل. إلى الإيجاب ، والاستحباب. وصرف الفعل إلى التعظيم ، والإهانة ؛ ومع ذلك فحدوث الفعل غير واقع تبعا (١) مع كونه مرادا بها.
وكذلك حكموا : بأنّ صفة الاتفاق ، والإحكام فى الفعل المحكم المتقن واقعه بالعلم ؛ وهو غير مؤثر فى ذات الله ـ تعالى ـ والجواهر وكثير من الأعراض. وإن كان متعلقا بها ؛ وهى معلومة به ؛ ولو سئلوا عن الفرق لم يجدوا إليه سبيلا.
قولهم : يلزم مما ذكرتموه : وجود مقدور بين قادرين.
قلنا : قادرين خالقين ، أو قادرين مخترع ، ومكتسب. الأول ؛ ممنوع ، والثانى مسلم.
ولكن لا نسلم امتناع ذلك على ما سبق تقريره.
قولهم : الفعل المقدور واقع على حسب القصد ، والداعية.
قلنا : لا معنى للقصد : غير الإرادة. والداعى : لا معنى له غير علم الفاعل ، أو اعتقاده ، أو ظنه بما يتوقعه من نفع فى فعله ، أو دفع ضرر به.
وعند ذلك : فلا نسلم أن الفعل المقدور واقع على حسب القصد والداعية ؛ فإن الفعل القليل : مقدور للنائم بالإجماع منا ، ومنهم. وهو غير واقع على حسب القصد ، والداعية إليه ؛ إذ النوم : مضاد للعلوم ، والإدراكات بالإجماع منا ، ومنهم.
وكذلك الحركة الواقعة لا على خط مستقيم : مقدورة لمن قصدها على خط مستقيم ؛ وهى غير واقعة على حسب قصده ، وداعيته ؛ بل أبلغ من ذلك ما نراه (٢) من حركات الحيوانات العجماوات : فى طيرانها ، وسباحتها ، وحركة أجفانها : انفتاحا ، وانطباقا ؛ فإنها مقدورة لهم بالإجماع مع علمنا أن كل حركة منها ـ على الخصوص ـ غير واقعة على حسب القصد ، والداعية.
__________________
(١) فى ب (بها).
(٢) فى ب (وما نراه).