وإذا كان القصد لا يكون إلا للجزئى ؛ فالمقصود يجب أن يكون معلوما ؛ لضرورة تعلق القصد بإيجاده. فلو كان المقصود المعلوم هو الكلى دون (١) الجزئى : لكان المعلوم المقصود غير الحادث ، والحادث غير مقصود ولا معلوم ؛ وهو محال.
قولهم : لو اشترط قصد الجزئى : من حيث هو جزئى ؛ لزم الدور كما قرروه. إنما يلزم : أن لو كان القصد نسبة ، وإضافة ؛ وليس كذلك ؛ بل المراد بالقصد : الإرادة. والإرادة : كما سبق ـ عبارة عن صفة وجودية صالحة أن يتأتى بها تخصيص المقدور بحالة دون حالة. والّذي يتخيل أنه نسبة وإضافة : إنما هو تعلقها بالمقدور. والدور (٢) أيضا : غير لازم من تعلقها بالمقدور الجزئى ؛ لأن معنى تعلق الإرادة بالمقدور : حصول تخصيصه مستندا إليها : بمعنى أنه : لو لا الإرادة لما كان ذلك التخصيص.
ولا يخفى : أن تفسير التعلق بهذا المعنى مما لا يلزم منه الدّور أصلا.
قولهم : ما ذكرتموه تشكيك فى الضّروريات ؛ ممنوع.
قولهم : كل عاقل يعلم من نفسه أنه موجد لما يفعله ضرورة.
قلنا : كل عاقل يجد من نفسه العلم بوجود فعله : مقارنا لقدرته ، أو أن قدرته مؤثرة فى فعله. الأول : مسلم ، ولا منافاة بينه ، وبين ما ذكرناه. والثانى ؛ ممنوع.
ولهذا : خالف فيه خلق كثير ـ تقوم الحجة بقولهم ـ من العقلاء : كالأشاعرة ، والقدرية ؛ والضرورى ليس كذلك.
قولهم : لو لم تكن القدرة الحادثة مؤثرة : لما فرق (٣) بين المقدور ، وما ليس بمقدور.
قلنا : لا نسلم أنه يلزم من عدم تأثير القدرة الحادثة فى مقدورها ؛ امتناع الفرق بين المقدور ، وما ليس بمقدور ، كما لا يلزم من امتناع تأثير العلم فى المعلوم ؛ امتناع الفرق بين المعلوم ، وما / ليس بمعلوم. اللهم إلا أن يبينوا : امتناع تعلق القدرة الحادثة بالمقدور ؛ ولا سبيل إليه.
ولا يلزم : من امتناع التأثير ؛ امتناع التعلق : بدليل العلم ، والإدراك.
__________________
(١) فى ب (لا).
(٢) فى ب (والأول).
(٣) فى ب (وقع الفرق).