الثانى : هو أنه لم تزل الأمة مجمعة على الدعاء لله ـ تعالى ـ والتضرع إليه ، فى أن يرزقهم : الإيمان ، ويجنبهم : الكفر ، والعصيان. وكذلك (١) الأئمة الصالحون ، والأنبياء المرسلون حتى قال إبراهيم الخليل : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٢). وقال ـ تعالى ـ حكاية عنه ، وعن إسماعيل : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٣). وقال يوسف : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) (٤).
ولو لا أن ذلك كله من فعل الله ؛ لما كان كذلك.
فإن قيل : المراد من السؤال : إنما هو للتمكين من الطاعة والإيمان ؛ بالإقدار عليهما ؛ فهو خلاف الظاهر من لفظ الجعل ، والصرف ، وسائر الألفاظ المذكورة من غير دليل ؛ فلا تقبل.
كيف وأن الإقدار على الإيمان ، والطاعة منهم من باب اللطف : وهو حتم على الله ـ تعالى ـ عندهم ، ومن لوازم الإلهية ، فلا معنى لسؤاله ما لا بد منه ؛ وهو حتم عليه ، كما لا يحسن أن يسأل ويقال : لا تظلم ، ولا تجر ؛ مع استحالة الظلم ، والجور فى حقه.
الثالث : هو أن المعتزلة موافقون : على استحالة عرو الأجسام عن الحركة والسكون. فلو كان العبد هو المخترع لحركة يده ، وسكونها ؛ فبتقدير إضرابه عن تحقيق مقدوره ، مع استمرار قدرته عليه ؛ فيلزم منه : إما عرو يده عن الحركة ، والسكون معا ؛ وهو محال. أو أن يكون البارى ـ تعالى ـ هو الخالق لذلك مشروطا بإضراب العبد عن مقدوره ؛ فيكون الرب ـ تعالى ـ فى فعله مرتبطا بإضراب العبد ؛ وهو خلاف إجماع (٥) الأمة (٥).
الرابع : هو أن الأمة مجمعة : على اقتدار الرب ـ تعالى ـ على استيفاء حقوقه من الطاعات من العباد. فلو كانت مخلوقة لهم ؛ لما كان قادرا على استيفائها بتقدير انصرافهم عنها ؛ وهو خلاف إجماع الأمة. وبتقدير خلقها فيهم اضطرارا : فعندهم تخرج عن كونها طاعة ؛ لكونها فعل الغير.
__________________
(١) فى ب (وكذا).
(٢) سورة إبراهيم ١٤ / ٣٥ ـ الموجود فى الأصل (رب اجنبني وبنى أن نعبد الأصنام).
(٣) سورة البقرة ٢ / ١٢٨.
(٤) سورة يوسف ١٢ / ٣٣.
(٥) فى ب (الإجماع).