فذهب أصحابنا : إلى وجوب ذلك ؛ لأنه لا يتصور فعل من فاعل ، وهو عالم به ، ذاكر له من غير إرادة له.
ومنع الجبائى من ذلك : وأحال كون الفاعل للإرادة مريدا لها بإرادة أخرى.
وأما أبو هاشم فإنه قال : إن (١) كانت الإرادة قصدا إلى الفعل مقارنة له ، أو متقدمة عليه : كتقدم القدرة على المقدور ، جاز أن تكون مرادة وأن لا تكون مرادة.
وأما إن كانت متقدمة على الفعل بأزمنة ، وكانت عزيمة على الفعل ؛ فلا بد وأن تكون مرادة. وكل ذلك يخيل فى دفع سؤال التسلسل على قولهم : بأن الله ـ تعالى ـ مريد بإرادة حادثة لا فى محل.
احتج أصحابنا : بأن الإجماع منا ، ومن المعتزلة منعقد على أن كل مقدور معلوم ، ما عدا موضع النزاع ؛ فإنه لا بد وأن يكون مرادا بإرادة مخصصة له.
وإنما افتقر إلى تعلق الإرادة به من جهة كونه جائزا ؛ فإن (٢) المخصص للجائزات (٢) : إنما هو الإرادة ـ كما سبق تقريره فى مسائل الصفات (٣) ـ والإرادة المقدورة جائزة ؛ فكان تخصيصها مفتقرا إلى مخصص من جهة الفاعل لها ؛ وذلك المخصص هو الإرادة. ولو أمكن استغناؤها ـ مع جوازها ـ عن الإرادة المخصصة ؛ لاستغنى كل جائز عن المخصص ؛ وذلك محال ؛ لما فيه من تخصيص بعض الجائزات دون البعض من غير مخصص.
فإن قيل : ما ذكرتموه : إنما يلزم منه وجود الإرادة مع جوازها من غير مخصص ، بتقدير أن لا تكون مرادة أن لو لم يكن الداعى إليها كافيا فى التخصيص ؛ فلم قلتم بأنه غير كاف؟
وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على إرادة الإرادة ؛ لكن معنا ما يدل على امتناع ذلك ، وبيانه من وجهين :
الأول : أنه لو كانت الإرادة المقدورة مرادة للفاعل (٤) ؛ لكانت تلك الإرادة الثانية مفتقرة إلى ثالثة ، والثالثة إلى رابعة ، وهلم جراء إلى ما لا نهاية له ؛ وهو محال.
__________________
(١) فى ب (إذا).
(٢) فى ب (والمخصص للجائز).
(٣) انظر ل ٦٤ / ب وما بعدها.
(٤) فى ب (بالفاعل).