الأول : أنه يحتمل أنه أراد استنطاقها بما ظن أنه معتقد لها من الأينية ، ولا يدل ذلك على أن الرب ـ تعالى ـ متأين. وهذا كما روى عنه عليهالسلام ـ أنه قال لأم جميل «كم تعبدين من الآلهة»؟ فقالت : خمسة ، وإن كنا نعلم امتناع التعدد فى الآلهة ، وامتناع اعتقاد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لذلك. ويحتمل أنه أراد بقوله : «أين الله؟» : أى أين موقع معرفة الله ـ تعالى منك. بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه. إما أن يكون ذلك إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام إلى أينية الرب ـ تعالى ـ فكلا.
ولهذا قد روى عنه عليهالسلام أنه قيل له : أين الله؟ فقال «ليس لمن أيّن الأين أين» (١).
وأما إشارة الخرساء إلى السماء. وتقرير النبي عليهالسلام لها ؛ فليس فيه ما يدل على أنها قصدت بالإشارة إثبات الجهة ؛ بل لعلها قصدت تعريف إلهها بخالق السماء ، ورافعها ؛ تنبيها بالأعلى ، على الأدنى.
وأما رفع الأيدى إلى السماء حالة الدعاء ؛ فليس فى ذلك ما يدل على أن الله ـ تعالى ـ فى جهة السماء ؛ بل إنما كان كذلك ؛ لأنها قبلة الدعاء. كما أن البيت العتيق قبلة للصلاة. وكما أن جهة الأرض محل للسجود ؛ فكما لا يدل التوجه فى الصلاة إلى البيت على أن الله ـ تعالى ـ فى جهة البيت ، ولا السجود ، ووضع الجبهة على الأرض على أن الله ـ تعالى ـ فى جهة الأرض ؛ فكذلك رفع الأيدى إلى السماء وذلك لأن الله ـ تعالى ـ كما له تخصيص بعض الأماكن ، وبعض الأزمان ؛ ببعض العبادات ؛ فكذا له تخصيص بعض الجهات ، بالتقرب إليه ببعض العبادات ، دون البعض.