وقوله ـ تعالى ـ : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (١) ؛ ليس المراد به الحركة والانتقال ؛ بل المراد به مجىء أمر الرب ـ تعالى ـ لفصل القضاء يوم الدين بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ؛ وذلك كما فى قوله تعالى ـ : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (٢) : أى أمره ، بالاتفاق منا ، ومن الخصوم.
وقوله ـ تعالى ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (٣) ، أى عذاب الله فى ظلل من الغمام ، بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه. وإنما خصصه بالظلل من الغمام ؛ لأن أكثر العقوبات كانت يتقدمها ظلل من الغمام كما نقل.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) (٤). فيحتمل أن يكون المراد به من حكمه فى السماء وقهره. ويحتمل أنه أراد به ملكا مسلطا على عذاب المستوجبين للعذاب : إما جبريل ، أو غيره ؛ ولهذا قد نقل أرباب التفسير (٥) أن جبريل عليهالسلام هو الّذي جعل قرى قوم لوط دكا ؛ بقلب أعاليها على أسافلها.
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٦) ؛ فليس فى الآية ما يدل على أن القرب ، والدنو من الله ـ تعالى ـ للرسول. وعند ذلك : فيحتمل أنه أراد به قرب الرسول ، ودنوه من درجة لا تقرب منها إلّا أجلّ الخلائق.
وإن أريد به القرب من الله ـ تعالى ـ فليس المراد به القرب بالذوات ؛ بل بالطاعة.
وقوله : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) تأكيد له. وعليه حمل قوله ـ تعالى ـ «إذا تقرّب العبد إلى ذراعا : ـ أى بالطاعة ـ / تقرّبت إليه باعا» (٧) بالرأفة والرحمة.
وأما حديث النزول إلى سماء الدنيا ؛ فقد سبق تأويله (٨).
وأما قوله عليهالسلام للخرساء : «أين الله؟» فيحتمل أحد أمرين :
__________________
(١) سورة الفجر ٨٩ / ٢٢.
(٢) سورة النحل ١٦ / ٢٦.
(٣) سورة البقرة ٢ / ٢١٠.
(٤) سورة الملك ٦٧ / ١٦.
(٥) فى ب (التفاسير).
(٦) سورة النجم ٥٣ / ٨ ، ٩.
(٧) جزء من حديث عن أبى هريرة فى البخارى ٩ / ١٤٧ ـ ١٤٨ (كتاب التوحيد ، باب ما يذكر فى الذات والنعوت وأسامى الله). والحديث ورد فى مواضع كثيرة من الصحاح والسنن.
(٨) انظر ل ١١٨ / أ.