وعن الرابعة :
بمنع أنه لا معنى لقيام الصفة بمحلها إلا كونها موجودة فى الحيز تبعا لمحلها فيه ، ومن المعلوم أن ذلك غير ضرورى ، ولا دليل عليه.
وأما الشبه النقلية :
فمن باب الظواهر الظنية ؛ فلا تقع فى مقابلة الأدلة العقلية اليقينية (١).
كيف وأنه مهما تعارض دليلان ؛ فالجمع بينهما أولى من العمل بأحدهما ، وتعطيل الآخر ، وقد أمكن الجمع بتأويل ما ذكروه من الظواهر ، على وجه موافق للدليل العقلى الدال على نفى الجهة ، والحيز.
أما / قوله ـ تعالى ـ : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢). فقد سبق تأويله. وقوله ـ تعالى ـ (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) (٣) لم يرد به التقارب بالذوات ، والأحياز ؛ بل أراد به الاختصاص بالاصطفاء ، والإكرام ، والاجتباء. ولهذا يقال : فلان عند الملك بمنزلة عظيمة ؛ أى أنه مختص بالاصطفاء ، والاجتباء.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) (٤). معناه وقوعه من الله تعالى ـ موقع الرضا ، وعلو الرتبة ، وتعظيم شأنه ، وليس المراد به الحركة ، والانتقال إلى جهة الله ـ تعالى ـ ؛ فإن الكلام عرض ؛ وهو غير منتقل.
وقوله ـ تعالى ـ : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (٥) ؛ فالمراد به عروجهم إلى حيث يأمرهم بالتقرب إليه. وليس المراد به التقرب بالذوات ؛ وذلك كما فى قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) (٦) : أى بالتقرب إليه بالطاعة لا أن المراد به التقرب بالمسافة.
__________________
(١) يلاحظ تطبيق الآمدي للمنهج الّذي ارتضاه ؛ وهو أن أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية تفيد الظن. انظر ما سبق ل ٤٠ / ب.
(٢) سورة طه ٢٠ / ٥.
(٣) سورة فصلت ٤١ / ٣٨.
(٤) سورة فاطر ٣٥ / ١٠.
(٥) سورة المعارج ٧٠ / ٤.
(٦) سورة النساء ٤ / ١٠٠.