وعند ذلك : فيجوز على ذات الرب (١) ـ تعالى ـ الحلول بالنسبة إلى كل جسم من الأجسام ، ويمتنع الاختصاص بالبعض دون البعض.
وعلى هذا : فلا يمتنع أن يكون الرب (٢) ـ تعالى ـ حالا فى بدن كل من نراه من الناس ؛ بل فيما نشاهده من أبدان الحيوانات العجماوات ، لجواز أن يكون متصفا بما به القبولية ، وعدم المعرفة بذلك غير مانع من الجواز ، وأن يكون فى نفس الأمر كذلك / ؛ فإنه لا يلزم من انتفاء الدليل ، انتفاء المدلول فى نفسه ؛ على ما سبق تحقيقه (٣).
وأما أنه يمتنع حلول صفة من صفات الله ـ تعالى ـ فى محل غير ذاته ، فلأن ما يقدر من الصفات الثابتة لذات الرب ـ تعالى ـ حالا فى محل آخر غير ذات الله ـ تعالى ـ [(٤) إما أن يكون ذلك مع بقاء تلك الصفة حالة فى ذات الله ـ تعالى ـ] ، أو مع زوالها عن ذات الله ـ تعالى ـ
فإن كان الأول : فيلزم منه قيام الصفة المتحدة لمحلين ؛ وهو ممتنع.
وإن كان الثانى : فهو محال لوجهين :
الأول : أنه يلزم منه خلو ذات الله ـ تعالى ـ عما له من الصفات النفسانية ، أو بعضها ؛ وهو ممتنع ، لما سبق فى إثبات الصفات (٥).
الثانى : أنه يلزم منه جواز انتقال الصفة من محل ، إلى محل ؛ وهو محال ؛ لأن الصفة المنتقلة لها حالة اتصال بالمحل الأول ، وحالة اتصال بالمحل الثانى. وليست حالة اتصالها بالمحل الأول. هى حالة اتصالها بالمحل الثانى ، وإلا كانت الصفة الواحدة فى حالة واحدة ، قائمة بمحلين ؛ وهو محال.
وإنما صارت متصلة بالمحل الثانى بعد انفصالها عن المحل الأول بالانتقال ؛ إذ لو لم يقدر الانتقال ، لما كانت زائلة عن المحل الأول ، ومتصلة بالمحل الثانى ، وليست
__________________
(١) فى ب (البارى).
(٢) فى ب (البارى).
(٣) انظر ل ٣٨ / أ ، ب.
(٤) من أول (إما أن يكون ذلك ...) ساقط من أ.
(٥) انظر ل ٥٤ / أوما بعدها.