لا أسلم أن اللذة عبارة عن إدراك ما يلائم المزاج ؛ بل اللذة عبارة عن إدراك الملائم ، وهو أعم من إدراك ملائم المزاج. ولا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم ؛ ولهذا قالت الخصوم إن الله ـ تعالى ـ ملتذ بإدراك ما يلائم ذاته من كمالاته ، وإن لم يكن له مزاج ، وكذلك النفوس بعد مفارقة الأبدان تلتذ بما حصل لها من كمالاتها الممكنة لها ، وتتألم بمفارقة ما لكمالاتها. وإن لم تكن الأنفس ذات مزاج ؛ بل فى الشاهد يجد كل عاقل من نفسه لذة الإيثار بالمطعومات المشتهاة الملائمة للمزاج ، المحبوبة ، حتى أن ذلك أيضا فى الحيوانات العجماوات. وصرف الطعوم الملائم للمزاج إلى الغير ؛ لا يكون ملائما للمزاج وهو لذة.
وإن سلمنا أن اللذة فى الشاهد لا تتم دون المزاج ؛ ولكن لا يلزم من ذلك امتناعها فى الغائب ؛ لامتناع المزاج فى حقه ؛ لجواز أن تكون معلولة فى الشاهد بملائمة المزاج ، ولا يلزم من انتفاء بعض العلل ، انتفاء المعلول.
فالأقرب فى ذلك : ما ذكره القاضى أبو بكر من أن الأمة ؛ بل العقلاء كافة متفقون على أن اتصاف الرب ـ تعالى ـ بشيء من هذه الكيفيات ليس من صفات المدح والكمال ، وأن الرب ـ تعالى ـ لا يتصف بما ليس من صفات المدح والكمال ؛ فلا يكون متصفا بشيء منها ؛ وقد عرف ما يتجه على الاحتجاج بالإجماع ، وما فيه فى قاعدة النظر (١).
والّذي يخص قول الفلاسفة : أن اللذة إدراك الملائم ، والرب تعالى مدرك لما يلائم ذاته من كمالاته ؛ فحاصله يرجع إلى تفسير اللذة بالإدراك ، ونحن لا ننازع فيه من جهة المعنى ؛ بل من جهة الإطلاق اللفظى / ؛ إذ هو متوقف على ورود الشرع به ؛ ولا سبيل إلى إثباته.
__________________
(١) راجع ما سبق فى قاعدة النظر ل ٢٥ / أوما بعدها.