وإن قلتم بصحة اتصافه بالقدرة نظرا إلى إمكان الفعل فيما لا يزال ، فجوزوا اتصافه بالعجز نظرا إلى إمكان الفعل فيما لا يزال.
والجواب :
أما السؤال الأول : وهو قولهم : إن العجز صفة سلبية ؛ فلا يمتنع اتصاف الرب ـ تعالى ـ به بعد أن لم يكن كما قرروه ؛ فمندفع لثلاثة أوجه :
الأول : أنا إنما نفينا العجز بالتفسير المذكور وهو أن يكون صفة مضادة خاصة ، والمضادات كلها وجودية على ما سيأتى (١)
الثانى : أن المفهوم من العجز لو كان سلبيا فإذا كان حادثا ؛ فمفهومه يكون مسلوبا فى الأزل ، وسلب السلب إثبات فيكون أزليا ، ويلزم من ذلك زواله بحدوث العجز ، وزوال القديم الثابت ، ممتنع كما يأتى.
الثالث : أن نقيض العجز لا عجز ، فلو كان العجز أمرا عدميا ؛ لكان لا عجز وجوديا. ولو كان وجوديا ؛ لما اتصف به الممتنع ؛ لكونه عدما محضا.
فإن قيل : فهذا لازم عليكم فى تعلق العلم : بالمعلوم ، والقدرة بالمقدور ، والإرادة : بالمراد ؛ فإن المفهوم منه : إما وجود ، أو عدم.
فإن كان وجودا : فقد زال بعد أن كان أزليا فى الصور المذكورة.
وإن كان عدميا : فلا تعلق يكون وجوديا ، لما ذكرتموه. فتعلق العلم بأن العالم موجود حالة وجوده ، متحقق لا محالة. وقد كان هذا التعلق مسلوبا أزلا ؛ فيكون مفهومه وجوديا أزلا ، وقد زال بالتعلق ؛ فيكون الوجود الأزلى زائلا.
قلنا : أما التعلق ؛ فهو عندنا نسبة ، وإضافة ، والنسب ، والإضافات ثابتة لا فى نفس الأمر ؛ بل فى حكم الوهم وتقديره ، والثابت التقديرى لا يمتنع زواله عندنا ـ وإن كان تقديره ثابتا أزلا ـ وإنما الممتنع : زوال الأزلى ، إذا كان وجوده وثبوته متحققا فى نفس الأمر.
__________________
(١) انظر ما سيأتى فى الجزء الثانى ل ٧٨ / أوما بعدها.