ثم حكي أيضا عن مالك أنه قال : لا تجالس القدري ولا تكلمه إلا إن تجلس إليه ، فتغلظ عليه ، لقوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (١) ، فلا توادوهم.
وأما أنه يخشى عليه الفتنة ، فلما حكى عياض عن سفيان بن عيينة أنه قال : سألت مالكا عمن أحرم من المدينة وراء الميقات؟ فقال : هذا مخالف لله ورسوله ، أخشى عليه الفتنة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة. أما سمعت قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢) ، وقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يهلّ من المواقيت.
وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال : سمعت مالك بن أنس ـ وأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ ـ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد ، فقال : لا تفعل ، قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ إني سمعت الله يقول : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وهذه الفتنة التي ذكرها مالك رحمهالله تفسير الآية هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنيانهم ، فإنهم يرون أن ما ذكره الله في كتابه وما سنّه نبيه صلىاللهعليهوسلم دون ما اهتدوا إليه بعقولهم.
وفي مثل ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما روي عن ابن وضاح : لقد هديتم لما لم يهتد له نبيكم ، وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة ـ إذ مرّ بقوم كان رجل يجمعهم يقول : رحم
__________________
(١) سورة : المجادلة ، الآية : ٢٢.
(٢) سورة : النور ، الآية : ٦٣.