وعن أبي قلابة قال : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم ويلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.
وعن إبراهيم قال : لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تكلموهم فإذا أخاف أن ترتد قلوبكم.
والآثار في ذلك كثيرة ، ويعضدها ما روي عنه عليهالسلام أنه قال : «المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل». ووجه ذلك ظاهر منبه عليه في كلام أبي قلابة ، إذ قد يكون المرء على يقين من أمر من أمور السنّة ، فيلقي له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا أصل له ، أو يزيد له فيه قيدا من رأيه ، فيقبله قلبه ، فإذا رجع إلى ما كان يعرفه وجده مظلما فإما أن يشعر به فيرده بالعلم ، أو لا يقدر على رده. وإما أن لا يشعر به فيمضي مع من هلك.
قال ابن وهب : وسمعت مالكا إذا جاءه بعض أهل الأهواء يقول : أما أنا فعلى بيّنة من ربي ، وأما أنت فشاكّ ، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه ، ثم قرأ : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) (١).
فهذا شأن من تقدم من عدم تمكين زائغ القلب أن يسمع كلامه.
ومثل رده بالعلم جوابه لمن سأله في قوله : (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢) ، كيف استوى؟ فقال له : «الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، وأراك صاحب بدعة» ثم أمر بإخراج السائل.
ومثل ما لا يقدر على رده ما حكى الباجي قال : قال مالك : كان يقال : لا تمكن زائغ القلب من أذنك ، فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك.
ولقد سمع رجل من الأنصار من أهل المدينة شيئا من بعض أهل القدر ، فعلق قلبه ، فكان يأتي إخوانه الذين يستنصحهم ، فإذا نهوه قال : فكيف بما علق قلبي لو علمت أن الله يرضى أن ألقي نفسي من فوق هذه المنارة فعلت.
__________________
(١) سورة : يوسف ، الآية : ١٠٨.
(٢) سورة : طه ، الآية : ٥.