انتهى ما حكاه ابن العربي وغيره ، وفيه غنية لمن عرج عن تعرف أصولهم ، وفي أثناء الكتاب منه أمثلة كثيرة.
القسم الثاني : يتنوع أيضا ، وهو الذي لم يستنبط بنفسه وإنما اتبع غيره من المستنبطين ، لكن بحيث أقر بالشبهة واستصوبها ، وقام بالدعوة بها مقام متبوعه ، لانقداحها في قلبه ، فهو مثل الأول ، وإن لم يصر إلى تلك الحال ولكنه تمكن حب المذهب من قلبه حتى عادى عليه ووالى.
وصاحب هذا القسم لا يخلو من استدلال ولو على أعمّ ما يكون ، فقد يلحق بمن نظر في الشبهة وإن كان عاميا ، لأنه عرض للاستدلال ، وهو عالم أنه لا يعرف النظر ولا ما ينظر فيه ، ومع ذلك فلا يبلغ من استدل بالدليل الجملي مبلغ من استدل على التفصيل ، وفرق بينهما في التمثيل.
إن الأول أخذ شبهات مبتدعة فوقف وراءها ، حتى إذا طولب فيها بالجريان على مقتضى العلم تبلد وانقطع ، أو خرج إلى ما لا يعقل ، وأما الثاني فحسن الظن بصاحب البدعة فتبعه ، ولم يكن له دليل على التفصيل يتعلق به ، إلا تحسين الظن بالمبتدع خاصة ، وهذا القسم في العوام كثير.
فمثال الأول حال حمدان بن قرمط المنسوب إليه القرامطة ، إذ كان أحد دعاة الباطنية فاستجاب له جماعة نسبوا إليه ، وكان رجلا من أهل الكوفة مائلا إلى الزهد فصادفه أحد دعاة الباطنية وهو متوجه إلى قريته وبين يديه بقر يسوقه ، فقال له حمدان ـ وهو لا يعرف حاله ـ : أراك سافرت عن موضع بعيد ، فأين مقصدك؟ فذكر موضعا هو قرية حمدان ، فقال له حمدان : اركب بقرة من هذا البقر لتستريح به عن تعب المشي ، فلما رآه مائلا إلى الديانة أتاه من ذلك الباب ، وقال : إني لم أؤمن بل أؤمر بذلك ، فقال له : وكأنك لا تعمل إلا بأمر ، فقال : نعم ، فقال حمدان : وبأمر من تعمل؟ قال : بأمر مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخرة ، قال : ذلك هو رب العالمين ، قال : صدقت ، ولكن الله يهب ملكه من يشاء ، قال : وما غرضك في البقعة التي أنت متوجه إليها؟ قال : أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إلى العلم ، ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الشقاوة إلى السعادة. وأن أستنقذهم من ورطات الذل