وإن لم يكن هناك منتصبون إلى هذا المقلد الخامل بين الناس ، مع أنه قد نصب نفسه منصب المستحقين ، ففي تأثيمه نظر ، ويحتمل أن يقال فيه : إنه آثم.
ونظيره مسألة أهل الفترات العاملين تبعا لآبائهم ، واستنامة لما عليه أهل عصرهم ، من عبادة غير الله وما أشبه ذلك ، لأن العلماء يقولون في حكمهم : إنهم على قسمين : قسم غابت عليه الشريعة ولم يدر ما يتقرب به إلى الله تعالى ، فوقف عن العمل بكل ما يتوهمه العقل أنه يقرب إلى الله ، ورأى ما أهل عصره عاملون به مما ليس لهم فيه مستند إلا استحسانهم ، فلم يستفزه ذلك على الوقوف عنه ، وهؤلاء هم الداخلون حقيقة تحت عموم الآية الكريمة : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١).
وقسم لابس ما عليه أهل عصره من عبادة غير الله ، والتحريم والتحليل بالرأي ووافقوهم في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل ، فهؤلاء نص العلماء على أنهم غير معذورين ، مشاركون لأهل عصرهم في المؤاخذة ، لأنهم وافقوهم في العمل والموالاة والمعاداة على تلك الشرعة فصاروا من أهلها. فكذلك ما نحن في الكلام عليه ، إذ لا فرق بينهما.
ومن العلماء من يطلق العبارة ويقول : كيفما كان لا يعذب أحد إلا بعد الرسل وعدم القبول منهم. وهذا إن ثبت قولا هكذا ، فنظيره في مسألتنا أن يأتي عالم أعلم من ذلك المنتصب يبين السنّة من البدعة ، فإن راجعه هذا المقلد في أحكام دينه ولم يقتصر على الأول فقد أخذ بالاحتياط الذي هو شأن العقلاء ورجاء السلامة ، وإن اقتصر على الأول ظهر عناده ، لأنه مع هذا الفرض لم يرض بهذا الطارئ ، وإذا لم يرضه كان ذلك لهوى داخله ، وتعصب جرى في قلبه مجرى الكلب في صاحبه ، وهو إذا بلغ هذا المبلغ لم يبعد أن ينتصر لمذهب صاحبه ، ويستدل عليه بأقصى ما يقدر عليه في عموميته. وحكمه قد تقدم في القسم قبله.
فأنت ترى صاحب الشريعة صلىاللهعليهوسلم ـ حين بعث إلى أصحاب أهواء وبدع ، وقد استندوا إلى آبائهم وعظمائهم فيها ، وردوا ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم ، وغطى على قلوبهم رين (٢) الهوى حتى التبست عليهم المعجزات بغيرها ـ كيف صارت شريعته صلىاللهعليهوسلم حجة عليهم على الإطلاق
__________________
(١) سورة : الإسراء ، الآية : ١٥.
(٢) الرين : الغطاء والحجاب الكثيف.