الأقانيم في أنفسها قادرة عالمة أم لا؟ وفي اتحاد ربهم القديم بالإنسان المحدث ، وما جرى في ولادته وصلبه وقتله ، وهل في التشنيع أكبر وأفحش من إله صلب وبصق في وجهه؟ ووضع على رأسه إكليل الشوك وضرب رأسه بالقضيب؟ وسمرت قدماه ، ونخز بالأسنة والخشب جنباه؟ وطلب الماء فسقي الخل من بطيخ الحنظل؟ فأمسكوا عن مناظرته ، لما قد أعطاهم من تناقض مذهبه وفساده اه.
والشاهد من الحكاية الاعتماد على الشيوخ والآباء من غير برهان ولا دليل.
القسم الثالث : يتنوع أيضا وهو الذي قلد غيره على البراءة الأصلية ، فلا يخلو أن يكون ثمّ من هو أولى بالتقليد منه ، بناء على التسامع الجاري بين الخلق بالنسبة إلى الجم الغفير إليه في أمور دينهم من عالم وغيره ، وتعظيمهم له بخلاف الغير. أو لا يكون ثم من هو أولى منه ، لكنه ليس في إقبال الخلق عليه وتعظيمهم له ما يبلغ تلك الرتبة ؛ فإن كان هناك منتصبون فتركهم هذا المقلد وقلد غيرهم فهو آثم إذ لم يرجع إلى من أمر بالرجوع إليه ، بل تركه ورضي لنفسه بأخسر الصفقتين فهو غير معذور ، إذ قلد في دينه من ليس بعارف بالدين في حكم الظاهر ، فعمل بالبدعة وهو يظن أنه على الصراط المستقيم.
وهذا حال من بعث فيهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنهم تركوا دينهم الحق ورجعوا إلى باطل آبائهم. ولم ينظروا نظر المستبصر ، حتى لم يفرقوا بين الطريقين ، وغطى الهوى على عقولهم دون أن يبصروا الطريق ، فكذلك أهل هذا النوع.
وقلّ ما تجد من هذه صفته إلا وهو يوالي فيما ارتكب ويعادي بمجرد التقليد.
خرّج البغوي عن أبي الطفيل الكناني أن رجلا ولد له غلام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتى به النبي صلىاللهعليهوسلم فدعا له بالبركة وأخذ بجبهته فنبتت شعرة بجبهته كأنها سلفة فرس. قال : فشب الغلام ، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته ، فأخذه أبوه فقيده وحبسه مخافة أن يلحق بهم أحد ، قال : فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له : ألم تر بركة النبي صلىاللهعليهوسلم وقعت؟ قال : فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم ، قال : فرد الله عزوجل الشعرة في جبهته إذ تاب.