الشرع ، و «إن الله ليزع بالسلطان ، ما لا يزعه بالقرآن» فالمبتدع إذا لم ينتصر بإجابة دعوته بمجرد الإعذار والإنذار الذي يعظ به ، حاول الانتهاض بأولي الأمر ، ليكون ذلك أحرى بالإجابة.
وأما الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية : فإن الحقيقية أعظم وزرا ، لأنها التي باشرها المنتهي بغير واسطة ، ولأنها مخالفة محضة وخروج عن السنّة ظاهر : كالقول بالقدر ، والتحسين والتقبيح ، والقول بإنكار خبر الواحد ، وإنكار الإجماع ، وإنكار تحريم الخمر ، والقول بالإمام المعصوم ، وما أشبه ذلك.
فإذا فرضت إضافية : فمعنى الإضافية أنها مشروعة من وجه ، ورأي مجرد من وجه ، إذ يدخلها من جهة المخترع رأي في بعض أحوالها فلم تناف الأدلة من كل وجه ، هذا وإن كانت تجري مجرى الحقيقة ، ولكن الفرق بينهما ظاهر كما سيأتي إن شاء الله.
وبحسب ذلك الاختلاف يختلف الوزر ، ومثاله جعل المصاحف في المساجد للقراءة آخر صلاة الصبح بدعة.
قال مالك : أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف ، يريد أنه أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح في المسجد. قال ابن رشد : مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم.
فهذه محدثة ـ أعني : وضعه في المسجد ـ لأن القراءة في المسجد مشروع في الجملة معمول به ، إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه هو المحدث.
ومثله وضع المصاحف في زماننا للقراءة يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد.
وأما الاختلاف من جهة كونها ظاهرة المأخذ أو مشكلة : فلأن الظاهر عند الإقدام عليها محض مخالفة ، فإن كانت مشكلة فليست بمحض مخالفة ، لإمكان أن لا تكون بدعة ، والإقدام على المحتمل ، أخفض رتبة من الإقدام على الظاهر ، ولذلك عدّ العلماء ترك المتشابه من قبيل المندوب إليه في الجملة ، ونبه الحديث على أن ترك المتشابه لئلا يقع في الحرام ، فهو حمى له ، وإن الواقع في المتشابه واقع في الحرام ، وليس ترك الحرام في