نحن فيها محتاجون لهذا ، فقال له : لا آمرك ولا أنهاك ، ومعناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إليه. فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأمصار والقرون والأحوال ، فكذلك يحتاج إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديمة ، وربما وجبت في بعض الأحوال.
القسم الرابع : بدعة مكروهة وهي ما تناولته أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادة ، ولذلك ورد في الصحيح ـ خرّجه مسلم وغيره ـ «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام ، أو ليله بقيام» (١).
ومن هذا الباب الزيادة في المندوبات المحدودات ، كما ورد في التسبيح عقب الفريضة ثلاثا وثلاثين ، فتفعل مائة ، وورد صاع في زكاة الفطر فيجعل عشرة أصواع ، بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وقلة أدب معه ، بل شأن العظماء إذا حددوا شيئا وقف عنده وعد الخروج عنه قلة أدب.
والزيادة في الواجب أو عليه أشد في المنع ، لأنه يؤدي إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه ، ولذلك نهى مالك رضي الله عنه عن إيصال ستة أيام من شوال ، لئلا يعتقد أنها من رمضان وخرج أبو داود في مسنده (٢) أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك ، فهكذا هلك من قبلنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أصاب الله بك يا ابن الخطاب» (٣) يريد عمر أن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض واعتقدوا الجميع واجبا ؛ وذلك تغيير للشرائع ، وهو حرام إجماعا.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : صوم يوم الجمعة (الحديث : ٤ / ٢٠٣). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصوم ، باب : النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم (الحديث : ٢٤٢٠). وأخرجه الترمذي في كتاب : الصوم ، باب : ما جاء في كراهية صوم يوم الجمعة وحده (الحديث : ٧٤٣).
(٢) المقصود به : أبو داود الطيالسي. لأنه صاحب المسند.
(٣) أخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة (الحديث : ١٠٠٧).