والضلالة ، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة ، وأني لو التمست لتلك المحدثات مخرجا لوجدت ، غير أن ضيق العطن ، والبعد عن أهل الفطن ، رقي بي مرتقى صعبا وضيق عليّ مجالا رحبا ، وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات ، لموافقات العادات ، أولى من اتباع الواضحات ، وإن خالفت السلف الأول.
وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب ، أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السّنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه كما يعزى إلى بعض الناس ، بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة. وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء.
وتارة نسبت إلى الرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم ، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص ، إذ لم يكن ذلك شأن من السلف في خطبهم ، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب. وقد سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين فقال : هو بدعة ولا ينبغي العمل به ، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة. قيل له : فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال : ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه ، وأما أن يكون شيئا يصمد له في خطبته دائما فإني أكره ذلك. ونص أيضا عز الدين بن عبد السلام : على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة.
وتارة أضيف إليّ القول بجواز القيام على الأئمة ، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة ، وذكرهم فيه محدث لم يكن عليه من تقدم.
وتارة أحمل على التزام الحرج والتنطع في الدين ، وإنما حملهم على ذلك أنى التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه ، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه ، وإن كان شاذّا في المذهب الملتزم أو في غيره. وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك وللمسألة بسط في كتاب (الموافقات) (١).
وتارة نسبت إلى معاداة أولياء الله ، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين
__________________
(١) الموافقات : كتاب في علم الأصول للمؤلف.