فكل دليل خاص أو عام شهد له معظم الشريعة فهو الدليل الصحيح ، وما سواه فاسد ، إذ ليس بين الصحيح والفاسد واسطة في الأدلة يستند إليها ، إذ لو كان ثمّ ثالث لنصت عليه الآية.
ثم لما خص الزائغون بكونهم يتبعون المتشابه أيضا علم أن الراسخين لا يتبعونه ، فإن تأولوه فبالرد إلى المحكم بأن أمكن حمله على المحكم ، بمقتضى القواعد ، فهذا المتشابه الإضافي لا الحقيقي ، وليس في الآية نص على حكمه بالنسبة إلى الراسخين ، فليرجع عندهم إلى المحكم الذي هو أم الكتاب ، وإن لم يتأوّلوه بناء على أنه متشابه حقيقي ، فيقابلونه بالتسليم وقولهم : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (١) ، وهؤلاء هم أولو الألباب.
وكذلك ذكر في أهل الزيغ أنهم يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة ، فهم يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة ، فليس في نظرهم إذا في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه ، بل نظر من حكم بالهوى ، ثم أتى بالدليل كالشاهد له ، ولم يذكر مثل ذلك في الراسخين ، فهم إذن بضد هؤلاء حيث وقفوا في المتشابه فلم يحكموا فيه ولا عليه سوى التسليم ، وهذا المعنى خاص بمن طلب الحق من الأدلة ، لا يدخل فيه من طلب في الأدلة ما يصحح هواه السابق.
والقسم الثاني : من ليس براسخ في العلم وهو الزائغ فحصل له من الآية وصفان :
أحدهما بالنص وهو الزيغ لقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) (٢). والزيغ هو الميل عن الصراط المستقيم وهو ذم لهم.
والوصف الثاني بالمعنى الذي أعطاه التقسيم وهو عدم الرسوخ في العلم ، وكل منفي عنه الرسوخ فإلى الجهل ما هو مائل ؛ ومن جهة الجهل حصل له الزيغ ؛ لأن من نفي عنه طريق الاستنباط ، واتباع الأدلة لبعض الجهالات ؛ لم يحل له أن يتبع الأدلة المحكمة ولا المتشابهة ، ولو فرضنا أنه يتبع المحكم لم يكن اتّباعه مفيدا لحكمه لإمكان أن يتبعه على وجه واضح البطلان أو متشابه ، فما ظنك به إذا اتبع المتشابه.
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.