عاداني غيره ، وإن داهنت (١) جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى ، ولن يغنوا عني من الله شيئا ، وإني مستمسك بالكتاب والسّنة وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو وهو الغفور الرحيم.
هذا تمام الحكاية فكأنه رحمهالله تكلم على لسان الجميع ، فقلما تجد عالما مشهورا أو فاضلا مذكورا ، إلا وقد نبذ بهذه الأمور أو بعضها ، لأن الهوى قد يداخل المخالف ، بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها ، والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف ، فإذا كان كذلك حمل على صاحب السنة ، إنه غير صاحبها ، ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله ، حتى ينسب هذه المناسب.
وقد نقل عن سيد العبّاد بعد الصحابة أويس القرني أنه قال : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقا ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون في ذلك أعوانا من الفاسقين ، حتى ـ والله ـ لقد رموني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه.
فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريبا كما بدأ ، لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل ، فصار المخالف هو الكثير ، فاندرست رسوم السّنة حتى مدت البدع أعناقها ، فأشكل مرماها على الجمهور فظهر مصداق الحديث الصحيح.
ولما وقع عليّ من الإنكار ما وقع مع ما هدى الله إليه وله الحمد ، ولم أزل أتتبع البدع التي نبّه عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحذّر منها ، وبيّن أنها ضلالة وخروج عن الجادة وأشار العلماء إلى تمييزها والتعريف بجملة منها ، لعليّ أجتنبها فيما استطعت ، وأبحث عن السنن التي كادت تطفئ نورها تلك المحدثات لعلّي أجلو بالعمل سناها ، وأعدّ يوم القيامة فيمن أحياها ، إذ ما من بدعة تحدث إلا ويموت من السنن ما هو في مقابلتها ، حسبما جاء عن السلف في ذلك. فعن ابن عباس قال : ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنّة ، حتى تحيا البدعة وتموت السنن. وفي بعض الأخبار : لا يحدث رجل بدعة إلا ترك من السّنة ما هو خيرا منها. وعن لقمان بن أبي إدريس الخولاني أنه كان يقول : ما أحدثت أمّة في دينها بدعة إلا رفع بها عنهم سنّة. وعن حسان بن عطية قال : ما أحدث قوم بدعة في
__________________
(١) داهن : أظهر خلاف ما أضمر ، نافق.