دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة ، إلى غير ذلك مما جاء في هذا المعنى وهو مشاهد معلوم حسبما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وجاء من الترغيب في إحياء السنن ما جاء ، فقد خرّج ابن وهب حديثا عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من أحيا سنّة من سنّتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله فإن عليه إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئا» (١) ، وأخرجه الترمذي باختلاف في بعض الألفاظ مع اتفاق المعنى وقال فيه : حديث حسن.
وفي الترمذي عن أنس قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غشّ لأحد فافعل» ثم قال لي : «يا بني وذلك من سنّتي ، ومن أحيا سنّتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة» (٢) حديث حسن.
فرجوت بالنظر في هذا الموضع الانتظام في سلك من أحيا سنّة وأمات بدعة ، وعلى طول العهد ودوام النظر اجتمع لي في البدع والسنن أصول قررت أحكامها الشريعة ، وفروع طالت أفنانها لكنها تنتظمها تلك الأصول ، وقلما توجد على الترتيب الذي سنح (٣) في الخاطر ، فمالت إلى بثها النفس ، ورأت أنه من الأكيد الطلب لما فيه من رفع الالتباس الناشئ بين السنن والبدع ، لأنه لما كثرت البدع وعم ضررها ، واستطار شررها ، ودام الإكباب على العمل بها ، والسكوت من المتأخرين عن الإنكار لها ، وخلفت بعدهم خلوف جهلوا أو غفلوا عن القيام بفرض القيام فيها ، صارت كأنها سنن مقررات ، وشرائع من صاحب الشرع محررات ، فاختلط المشروع بغيره ، فعاد الراجع إلى محض السنة كالخارج
__________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ما جاء بالأخذ في السنة واجتناب البدع (الحديث : ٢٦٧٩) وقال : هذا حديث حسن.
(٢) أورد التبريزي صاحب «مشكاة المصابيح» هذا الحديث نقلا عن الترمذي بلفظ : «من أحب سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة» ولعله وقع في بعض النسخ للترمذي هكذا. وأخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (الحديث : ٢٦٨٠) وقال : هذا حديث حسن غريب.
(٣) سنح : خطر.