عنها كما تقدم ، فالتبس بعضها ببعض ، فتأكد الوجوب بالنسبة إلى من عنده فيها علم ؛ وقلما صنف فيها على الخصوص تصنيف ، وما صنف فيها فغير كاف في هذه المواقف ، مع أن الداخل في هذا الأمر اليوم فاقد المساعد عديم المعين ؛ فالموالي لم يخلد به إلى الأرض ، ويلقى له باليد إلى العجز عن بث الحق ، بعد رسوخ العوائد في القلوب ، والمعادي يريسه بالأردبيس ، ويروم أخذه بالعذاب البئيس ، لأنه يرد عوائده الراسخة في القلوب ، المتداولة في الأعمال ، دينا يتعبد به ، وشريعة يسلك عليها لا حجة له إلا عمل الآباء والأجداد ، مع بعض الأشياخ العالمين ، كانوا من أهل النظر في هذه الأمور أم لا. ولم يلتفتوا إلى أنهم عند موافقتهم للآباء والأشياخ مخالفون للسلف الصالح ، فالمتعرض لمثل هذا الأمر ينحو نحو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في العمل حيث قال : ألا وإني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله قد فني عليه الكبير ، وكبر عليه الصغير ، وفصح عليه الأعجمي ، وهاجر عليه الأعرابي ، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره.
وكذلك ما نحن بصدد الكلام عليه ، غير أنه أمر لا سبيل إلى إهماله ، ولا يسع أحدا ممن له منّة إلا الأخذ بالحزم والعزم في بثه ، بعد تحصيله على كماله ، وإن كره المخالف فكراهيته لا حجة فيها على الحق ألا يرفع مناره ، ولا تكشف وتجلى أنواره ، فقد خرج أبو الطاهر السّلفي بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «يا أبا هريرة علّم الناس القرآن وتعلمه ، فإنك إن مت وأنت كذلك زارت الملائكة قبرك كما يزار البيت العتيق ، وعلّم الناس سنّتي وإن كرهوا ذلك ، وإن أحببت ألا توقف على الصّراط طرفة عين حتى تدخل فلا تحدث في دين الله حدثا برأيك» (١).
قال أبو عبد الله بن القطان : وقد جمع الله له ذلك كله من إقراء كتاب الله والتحديث بالسّنة ، أحب الناس أم كرهوا ، وترك الحديث حتى إنه كان لا يتأوّل شيئا مما روى ، تتميما للسلامة من الخطأ.
على أن أبا العرب التميمي حكى عن ابن فروخ أنه كتب إلى مالك بن أنس : إن بلدنا كثير البدع وإنه ألف كلاما في الرد عليهم. فكتب إليه مالك يقول له : إن ظننت ذلك بنفسك
__________________
(١) أخرجه أبو نصر السجري في الإبانة وقال : غريب. وأخرجه الخطيب وابن النجار عن أبي هريرة.
كذا في كنز العمال.