خفت أن تزل فتهلك ، لا يرد عليهم إلا من كان ضابطا عارفا بما يقول لهم لا يقدرون أن يعرجوا عليه فهذا لا بأس به ، وأما غير ذلك فإني أخاف أن يكلمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه أو يظفروا منه بشيء فيطغوا ويزدادوا تماديا على ذلك.
وهذا الكلام يقضي لمثلي بالإحجام دون الإقدام ، وشياع هذا النكر وفشوّ العمل به وتظاهر أصحابه يقضي لمن له بهذا المقام منّة بالإقدام دون الإحجام ، لأن البدع قد عمت وجرت أفراسها من غير مغير ملء أعنتها.
وحكى ابن وضاح عن غير واحد : أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات : اعلم يا أخي أن ما حملني على الكتب إليك ما أنكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس ، وحسن حالك مما أظهرت من السنّة. وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم ، فقمعهم الله بك ، وشدّ بك ظهر أهل السنة ، وقواك عليهم بإظهار عيبهم ، والطعن عليهم ، وأذلّهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين. فأبشر يا أخي بثواب الله ، واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد. وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟! وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من أحيا شيئا من سنّتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين» (١) وضم بين إصبعيه ، وقال : «أيّما داع دعا إلى هذه فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة» (٢) ، فمن يدرك يا أخي هذا بشيء من عمله؟! وذكر أيضا : إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليّا لله يذب عنها ، وينطق بعلامتها ، فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فأوصاه وقال : «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من كذا وكذا» (٣). وأعظم القول فيه ، فاغتنم ذلك وادع إلى
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ١٩ ، الحاشية : ١.
(٢) عزاه في الجامع الصغير إلى النسائي والترمذي وأحمد في مسنده وابن ماجه في سننه (الفتح الكبير : ١٠ / ٤٩٥).
(٣) أخرجه البخاري مطولا في كتاب : فضائل الصحابة ، باب : مناقب علي بن أبي طالب (الحديث : ٧ / ٥٨). وأخرجه مسلم في كتاب : فضائل الصحابة ، باب : في فضل علي بن أبي طالب (الحديث : ٢٤٠٦). وكل ما ذكر مروي عن علي بن أبي طالب ، أما رواية أحمد فهي عن معاذ في المسند (٥ / ٢٣٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : العلم ، باب : فضل نشر العلم وإسناده صحيح (الحديث : ٣٦٦).