وإذا ثبت فكل ما نقلت فضيلته في الأحاديث فهو من باب الترغيب ، فلا يلزم فيه شهادة أهل الحديث بصحة الإسناد ، بخلاف الأحكام.
فإذا هذا الوجه من الاستدلال من طريق الراسخين لا من طريق الذين في قلوبهم زيغ ، حيث فرقوا بين أحاديث الأحكام فاشترطوا فيها الصحة ، وبين أحاديث الترغيب والترهيب فلم يشترطوا فيها ذلك.
فالجواب : إن ما ذكره علماء الحديث من التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب لا ينتظم مع مسألتنا المفروضة ، وبيانه : أن العمل المتكلّم فيه إما أن يكون منصوصا على أصله جملة وتفصيلا ، أو لا يكون منصوصا عليه لا جملة ولا تفصيلا ، أو يكون منصوصا عليه جملة لا تفصيلا.
فالأول : لا إشكال في صحته ، كالصلوات المفروضات والنوافل المرتبة لأسباب وغيرها ، وكالصيام المفروض ، أو المندوب على الوجه المعروف ، إذا فعلت على الوجه الذي نص عليه من غير زيادة ولا نقصان ، كصيام عاشوراء أو يوم عرفة والوتر بعد نوافل الليل ، وصلاة الكسوف. فالنص جاء في هذه الأشياء صحيحا على ما شرطوا ، فثبتت أحكامها من الفرض والسنة ولاستحباب ، فإذا ورد في مثلها أحاديث ترغيب فيها ، أو تحذير من ترك الفرض منها ، وليست بالغة مبلغ الصحة ، ولا هي أيضا من الضعف بحيث لا يقبلها أحد ، أو كانت موضوعة لا يصح الاستشهاد بها ، فلا بأس بذكرها والتحذير بها والترغيب ، بعد ثبوت أصلها من طريق صحيح.
والثاني : ظاهر أنه غير صحيح ، وهو عين البدعة ، لأنه لا يرجع إلّا لمجرد الرأي المبني على الهوى ، وهو أبدع البدع وأفحشها ، كالرهبانية المنفية عن الإسلام ، والخصاء لمن خشي العنت ، والتعبد بالقيام في الشمس ، أو بالصمت من غير كلام أحد ، فالترغيب في مثل هذا لا يصح ، إذ لا يوجد في الشرع ، ولا أصل له يرغب في مثله ، أو يحذر من مخالفته.
والثالث : ربما يتوهم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة ، فيسهل