الظن به إذا لم يصح؟ على أنه قد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال : الحديث الضعيف خير من القياس ، وظاهره يقتضي العمل بالحديث غير الصحيح ، لأنه قدمه على القياس المعمول به عند جمهور المسلمين ، بل هو إجماع السلف رضي الله عنهم ، فدلّ على أنه عنده أعلى رتبة في العمل من القياس.
والجواب عن هذا : أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب ، إذ ليس له على ذلك دليل يقطع العذر ، وإن سلم فيمكن حمله على خلاف ظاهره ، لإجماعهم على طرح الضعيف الإسناد ، فيجب تأويله على أن يكون أراد به الحسن السند وما دار به على القول بإعماله ، أو أراد (خير من القياس) لو كان مأخوذا به فكأنه يرد القياس بذلك الكلام مبالغة في معارضة من اعتمده أصلا حتى رد به الأحاديث وقد كان رحمهالله تعالى يميل إلى نفي القياس ، ولذلك قال : ما زلنا نلعن أصل الرأي ويلعنونا حنى جاء الشافعي فخرج بيننا ، أو أراد بالقياس القياس الفاسد الذي لا أصل له من كتاب ولا سنّة ولا إجماع ، ففضل عليه الحديث الضعيف وإن لم يعمل به ، وأيضا فإذا أمكن أن يحمل كلام أحمد على ما يسوغ لم يصح الاعتماد عليه في معارضة كلام الأئمة رضي الله عنهم.
فإن قيل : هذا كله رد على الأئمة الذين اعتمدوا على الأحاديث التي لم تبلغ درجة الصحيح ، فإنهم كما نصوا على اشتراط صحة الإسناد ، كذلك نصوا أيضا على أن أحاديث الترغيب والترهيب لا يشترط في نقلها للاعتماد صحة الإسناد ، بل إن كان ذلك فبها ونعمت ، وإلّا فلا حرج على من نقلها واستند إليها ، فقد فعله الأئمة ك (مالك) في الموطأ ، وابن المبارك في رقائقه ، وأحمد بن حنبل في رقائقه ، وسفيان في جامع الخير ، وغيرهم.
فكل ما في هذا النوع من المنقولات راجع إلى الترغيب والترهيب ، وإذا جاز اعتماد مثله ، جاز فيما كان نحوه مما يرجع إليه كصلاة الرغائب والمعراج ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة الإيمان والأسبوع ، وصلاة بر الوالدين ويوم عاشوراء وصيام رجب ، والسابع والعشرين منه ، وما أشبه ذلك ، فإن جميعها راجع إلى الترغيب في العمل الصالح ، فالصلاة على الجملة ثابت أصلها ، وكذلك الصيام وقيام الليل ، كل ذلك راجع إلى خير نقلت فضيلته على الخصوص.