فثبت أن تتبع هذا الوجه عناء. لكنا نذكر من ذلك أوجها كلية يقاس عليها ما سواها.
فمنها : اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة ، والمكذوب فيها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها : كحديث الاكتحال يوم عاشوراء ، وإكرام الديك الأبيض ، وأكل الباذنجان بنية وأن النبي صلىاللهعليهوسلم تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه ، وما أشبه ذلك ، فإن ناقل أمثال هذه الأحاديث ـ على ما هو معلوم ـ جاهل ومخطئ في نقل العلم ، فلم ينقل الأخذ بشيء منها عمن يعتد به في طريقة العلم ، ولا طريقة السلوك.
وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدثين بالصحيح ، لأن سنده ليس فيه من يعاب بجرحه متفق عليها ، وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمرسل ليس إلّا من حيث ألحق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل ، فأما ما دون ذلك فلا يؤخذ به بحال عند علماء الحديث.
ولو كان من شأن أهل الإسلام إذا يبين عنه الأخذ من الأحاديث بكل ما جاء عن كل من جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل والتجريح معنى ، مع أنهم قد أجمعوا على ذلك ، ولا كان لطلب الإسناد معنى يتحصل ، فلذلك جعلوا الإسناد من الدين ولا يعنون (حدثني فلان عن فلان) مجردا ، بل يريدون ذلك لما تضمنه من معرفة الرجال الذين يحدّث عنهم ، حتى لا يسند عن مجهول ولا مجروح ولا متهم ، إلا عمن تحصل الثقة بروايته ، لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي صلىاللهعليهوسلم ، لنعتمد عليه في الشريعة ، ونسند إليه الأحكام.
والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي صلىاللهعليهوسلم قالها ، فلا يمكن أن يسند إليها الحكم ، فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب؟
نعم الحامل على اعتمادها في الغالب إنما هو ما تقدم من الهوى المتبع ، وهذا كله على فرض أن لا يعارض الحديث أصل من أصول الشريعة ، وأما إذا كان له معارض فأحرى أن لا يؤخذ به ، فهو هدم لأصل من أصول الشريعة ، والإجماع على منعه إذا كان صحيحا في الظاهر ، وذلك دليل على الوهم من بعض الرواة ، أو الغلط من بعض الرواة أو النسيان ، فما