وهو خارج ، فأخذ بيدي فقال : يا أبا عمر ، حتى متى؟ حتى متى؟ قال : فلم أكلمه ، فقال : ما لي؟ أرأيت لو أن رجلا قال : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (١) ليست من القرآن؟ ما كنت تقول له؟ قال : فنزعت يدي من يده ، قال علي : قال مؤمل : فحدثت به سفيان بن عيينة ، فقال لي : ما كنت أرى أنه بلغ هذا كله.
قال عليّ : وسمعته أنا وأحمد بن (٢).
قال : حدثت أنا سفيان بن عيينة عن معلى الطحان ببعض حديثه ، فقال : ما أحوج صاحب هذا الرأي إلى أن يقتل؟
فانظروا إلى تجاسرهم على كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلىاللهعليهوسلم! كل ذلك ترجيح لمذاهبهم على محض الحق ، وأقربهم إلى هيبة الشريعة من يتطلب بها المخرج فيتأول لها الواضحات ، ويتبع المتشابهات ، وسيأتي ، والجميع داخلون تحت ذمها.
وربما احتج طائفة من نابتة المبتدعة على رد الأحاديث بأنها إنما تفيد الظن ، وقد ذم الظن في القرآن ، كقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) (٣) وقال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٤) وما جاء في معناه ، حتى أحلوا أشياء مما حرمها الله تعالى على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وليس تحريمها في القرآن نصا ، وإنما قصدوا من ذلك أن يثبت لهم من أنظار عقولهم ما استحسنوا.
والظن المراد في الآية وفي الحديث أيضا غير ما زعموا ، وقد وجدنا له محال ثلاثة :
أحدها : الظن في أصول الدين ، فإنه لا يغني عند العلماء لاحتماله النقيض عند الظان ، بخلاف الظن في الفروع فإنه معمول به عند أهل الشريعة للدليل الدال على إعماله ، فكان الظن مذموما إلا ما تعلق منه بالفروع ، وهذا صحيح ذكره العلماء في هذا الموضع.
والثاني : أن الظن هنا هو ترجيح أحد النقيضين على الآخر من غير دليل مرجح ، ولا
__________________
(١) سورة : المسد ، الآية : ١.
(٢) بياض في الأصل.
(٣) سورة : النجم ، الآية : ٢٣.
(٤) سورة : النجم ، الآية : ٢٨.