وقد كان السلطان أبو العلاء إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي منهم ، ظهر له قبح ما هم عليه من هذه الابتداعات ، فأمر ـ حين استقر بمراكش ـ خليفته بإزالة جميع ما ابتدع من قبله ، وكتب بذلك رسالة إلى الأقطار يأمر فيها بتغيير تلك السنة ، ويوصي بتقوى الله والاستعانة به ، والتوكل عليه ، وأنه قد نبذ الباطل وأظهر الحق ، وأن لا مهدي إلا عيسى ، وأن ما ادعوه أنه المهدي بدعة أزالها ، وأسقط اسم من لا تثبت عصمته.
وذكر أن أباه المنصور همّ بأن يصدع بما به صدع ، وأن يرفع الحرف الذي رفع ، فلم يساعده الأجل لذلك ، ثم لما مات واستخلف ابنه أبو محمد عبد الواحد الملقب بالرشيد ، وفد إليه جماعة من أهل ذلك المذهب المتسمين بالموحدين ، فقتلوا منه في الذروة والغارب (١) ، وضمنوا على أنفسهم الدخول تحت طاعته ، والوقوف على قدم الخدمة بين يديه ، والمدافعة عنه بما استطاعوا ، لكن على شرط ذكر المهدي وتخصيصه بالعصمة في الخطبة والمخاطبات ، ونقش اسمه الخاص في السكك ، وإعادة الدعاء بعد الصلاة ، والنداء عليها بتاصاليت الإسلام عند كمال الأذان ، وبتقام تاصاليت وهي إقامة الصلاة ، وما أشبه ذلك من سودرين ، وقادري وأصبح ولله الحمد وغير ذلك.
وقد كان الرشيد استمر على العمل بما رسم أبوه من ترك ذلك كله ، فلما انتدب الموحدون إلى الطاعة اشترطوا إعادته ما ترك ، فأسعفوا فيه (٢) ، فلما احتلوا منازلهم أياما ولم يعد شيء من تلك العوائد ، ساءت ظنونهم ، وتوقعوا انقطاع ما هو عمدتهم في دينهم ، وبلغ ذلك الرشيد ، فجدد تأنيسهم بإعادتها.
قال المؤرخ : فيا لله! ما ذا بلغ من سرورهم وما كانوا فيه من الارتياح لسماع تلك الأمور ، وانطلقت ألسنتهم بالدعاء لخليفتهم بالنصر والتأييد ، وشملت الأفراح فيهم الكبير والصغير ، وهذا شأن صاحب البدعة ، فلن يسر بأعظم من انتشار بدعته وإظهارها (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) (٣) ، وهذا كله دائر على القول بالإمامة والعصمة الذي هو رأي الشيعة.
__________________
(١) الغارب : أعلى كل شيء.
(٢) أسعف : دنا وقرب.
(٣) سورة : المائدة ، الآية : ٤١.