بدئ فطوبى للغرباء» (١) وقال : إن طائفته هم الغرباء ، زعما من غير برهان زائد على الدعوى ، وقال في ذلك الكتاب : جاء الله بالمهدي ، وطاعته صافية نقية ، لم ير مثلها قبل ولا بعد ، وأن به قامت السموات ، والأرض به تقوم ، ولا ضد له ، ولا مثل ، ولا ند ، وكذب ، تعالى الله عن قوله ، وهذا كما نزل أحاديث الترمذي وأبي داود في الفاطمي على نفسه وأنه هو بلا شك.
وأول إظهاره لذلك أنه قام في أصحابه خطيبا فقال : الحمد لله الفعال لما يريد ، القاضي لما يشاء ، لا رادّ لأمره ، ولا معقب لحكمه ، وصلى الله على النبي المبشر بالمهدي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، يبعثه الله إذا نسخ الحق بالباطل ، وأزيل العدل بالجور ، مكانه بالمغرب الأقصى ، وزمانه آخر الأزمان ، واسمه اسم النبي عليه الصلاة والسلام ، ونسبه نسب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد ظهر جور الأمراء ، وامتلأت الأرض بالفساد ، وهذا آخر الزمان ، والاسم الاسم والنسب النسب والفعل الفعل ، يشير إلى ما جاء في أحاديث الفاطمي.
فلما فرغ بادر إليه من أصحابه عشرة ، فقالوا : هذه الصفة لا توجد إلا فيك ، فأنت المهدي ، فبايعوه على ذلك. وأحدث في دين الله أحداثا كثيرة زيادة إلى الإقرار بأنه المهدي المعلوم ، والتخصيص بالعصمة ، ثم وضع ذلك في الخطب ، وضرب في السكك ، بل كانت تلك الكلمة عندهم ثالثة الشهادة ، فمن لم يؤمن بها ، أو شك فيها ، فهو كافر كسائر الكفار ، وشرع القتل في مواضع لم يضعه الشرع فيها ، وهي نحو من ثمانية عشر موضعا ، كترك امتثال أمر من يستمع أمره ، وترك حضور مواعظه ثلاث مرات ، والمداهنة إذا ظهرت في أحد قتل ، وأشياء كثيرة.
وكان مذهبه البدعة الظاهرية ، ومع ذلك فابتدع أشياء ، كوجوه في التثويب ، إذ كانوا ينادون عند الصلاة بتاصاليت الإسلام وبقيام تاصاليت وسوردين وباردي وأصبح ولله الحمد وغيره ، فجرى العمل بجميعها في زمان الموحدين ، وبقي أكثرها بعد ما انقرضت دولتهم حتى إني أدركت بنفسي في جامع غرناطة الأعظم الرضا عن الإمام المعصوم ، المهدي المعلوم ، إلى أن أزيلت وبقيت أشياء كثيرة غفل عنها أو أغفلت.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٨ ، الحاشية : ١.