والإعراض عنها ، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة ، وأما استفادة الأحكام فلا ، كما يحكى عن الكتاني رحمهالله قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام ، فقلت : ادع الله أن لا يميت قلبي ، فقال : قل كل يوم أربعين مرة : «يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت» فهذا كلام حسن لا إشكال في صحته ، وكون الذكر يحيي القلب صحيح شرعا ، وفائدة الرؤيا التنبيه على الخير ، وهو من ناحية البشارة ، وإنما يبقى الكلام في التحديد بالأربعين ، وإذا لم يوجد على اللزوم استقام.
وعن أبي يزيد البسطامي رحمهالله ، قال : رأيت ربي في المنام ، فقلت : كيف الطريق إليك؟ فقال : اترك نفسك وتعال. وشأن هذا الكلام من الشرع موجود فالعمل بمقتضاه صحيح ، لأنه كالتنبيه لموضع الدليل ، لأن ترك النفس معناه ترك هواها بإطلاق ، والوقوف على قدم العبودية ، والآيات تدل على هذا المعنى ، كقوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (١) ، وما أشبه ذلك ، فلو رأى في النوم قائلا يقول : إن فلانا سرق فاقطعه ، أو عالم فاسأله ، أو اعمل بما يقول لك ، أو فلان زنى فحدّه ، وما أشبه ذلك ، لم يصح له العمل حتى يقوم له الشاهد في اليقظة ، وإلّا كان عاملا بغير شريعة ، إذ ليس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحي.
ولا يقال : إن الرؤيا من أجزاء النبوة ، فلا ينبغي أن تهمل ، وأيضا إن المخبر في المنام قد يكون النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو قد قال : «من رآني في النوم فقد رآني حقّا ، فإن الشيطان لا يتمثل بي» (٢) وإذا كان (؟) فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة.
لأنا نقول : إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي ، بل جزء من أجزائه ، والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه ، بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه ، وقد صرفت إلى جهة البشارة والنذارة ، وفيها كاف.
وأيضا فإن الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شرطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح ، وحصول الشروط مما ينظر فيه ، فقد تتوفر ، وقد لا تتوفر.
__________________
(١) سورة : النازعات ، الآيتان : ٤٠ ـ ٤١.
(٢) أخرجه الترمذي في كتاب : الرؤيا ، باب : ما جاء في قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من رآني في المنام فقد رآني» (الحديث : ٢٢٧٧).