وإذا بنينا على أن الاستثناء منقطع ـ وهو قول فريق من المفسرين ـ فالمعنى : ما كتبناها عليهم أصلا ، ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ، فلم يعملوا بها بشرطها ، وهو الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذ بعث إلى الناس كافة.
وإنما سميت بدعة على هذا الوجه لأمرين :
أحدهما : يرجع إلى أنها بدعة حقيقية ـ كما تقدم ـ لأنها داخلة تحت حد البدعة.
والثاني : يرجع إلى أنها بدعة إضافية ، لأن ظاهر القرآن دلّ على أنها لم تكن مذمومة في حقهم بإطلاق ، بل لأنهم أخلوا بشرطها ، فمن لم يخل منهم بشرطها وعمل بها قبل بعث النبي صلىاللهعليهوسلم حصل له فيها أجر ، حسبما دلّ عليه قوله : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) (١) ، أي : أن من عمل بها في وقتها ثم آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم بعد بعثه وفّيناه أجره.
وإنما قلنا : إنها في هذا الوجه إضافية ، لأنها لو كانت حقيقية لخالفوا بها شرعهم الذي كانوا عليه ، لأن هذا حقيقة البدعة ، فلم يكن لهم بها أجر ، بل كانوا يستحقون العقاب لمخالفتهم لأوامر الله ونواهيه ، فدل على أنهم فعلوا ما كان جائزا لهم فعله ، فلا تكون بدعتهم حقيقية ، ولكنه ينظر على أي معنى أطلق عليها لفظ البدعة وسيأتي بعد بحول الله.
وعلى كل تقدير فهذا القول لا يتعلق بهذه الأمة منه حكم ، لأنه نسخ في شريعتنا فلا رهبانية في الإسلام ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من رغب عن سنتي فليس مني» (٢).
على أن ابن العربي نقل في الآية أربعة أقوال : الأول ما تقدم ، والثاني أن الرهبانية رفض النساء ، وهو المنسوخ في شرعنا ، والثالث اتخاذ الصوامع للعزلة ، والرابع السياحة ، قال : وهو مندوب إليه في ديننا عند فساد الزمان.
وظاهره يقتضي أنها بدعة ، لأن الذين ترهبوا قبل الإسلام إنما فعلوا ذلك فرارا منهم
__________________
(١) سورة : الحديد ، الآية : ٢٧.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٢٩ ، الحاشية : ٢.