وعن كعب الأحبار : إن هذا الدين متين فلا تبغض إليك دين الله وأوغل برفق ، فإن المنبت لم يقطع بعدا ولم يستبق ظهرا ، واعمل عمل المرء الذي يرى أنه لا يموت اليوم ، واحذر حذر المرء الذي يرى أنه يموت غدا.
وخرّج ابن وهب نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وهذه إشارة إلى الأخذ بالعمل الذي يقتضي المداومة عليه من غير حرج.
وعن عمر بن إسحاق ، قال أدركت من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكثر ممن سبقني منهم؟ فما رأيت قوما أيسر سيرة ولا أقل تشديدا منهم.
وقال الحسن : دين الله وضع فوق التقصير ودون الغلو.
والأدلة في هذا المعنى جميعها راجع إلى أنه لا حرج في الدين ، والحرج كما ينطبق على الحرج الحالي ـ كالشروع في عبادة شاقة في نفسها ـ كذلك ينطلق على الحرج المآلي إذ كان الحرج لازما مع الدوام ، كقصة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وغيرها ـ مما تقدم ـ مع أن الدوام مطلوب حسبما اقتضاه قول أبي أمامة رضي الله عنه في قوله تعالى : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) (١) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «أحب العمل إلى الله ما دوام عليه صاحبه وإن قلّ» (٢) فلذلك كان صلىاللهعليهوسلم إذا عمل عملا أثبته ، حتى قضى ركعتين ما بين الظهر والعصر بعد العصر.
هذا إن كان العامل لا ينوي الدوام فيه ، فكيف إذا عقد في نيته أن لا يتركه؟ فهو أحرى بطلب الدوام ، فلذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعبد الله بن عمرو : «يا عبد الله! لا تكن مثل فلان ، كان يقوم الليل فترك قيام الليل» (٣) وهو حديث صحيح ، فنهاه صلىاللهعليهوسلم أن
__________________
(١) سورة : الحديد ، الآية : ٢٧.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٢٥١ ، الحاشية : ١.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : التهجد ، باب : ما يكره من ترك قيام الليل ، وباب : من نام عند السحر (الحديث : ٣ / ٣٣١). وأخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : النهي عن صوم الدهر (الحديث : ١١٥٩). وأخرجه النسائي في كتاب : قيام الليل ، باب : ذم من ترك قيام الليل (الحديث : ٣ / ٢٥٣).