حصيات من حصى الحذف» فلما وضعتهن في يده قال : «فأمثال هؤلاء؟ ما مثل هؤلاء؟ إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» (١).
فأشار إلى أن الآية في النهي عن الغلو يشتمل معناها على كل ما هو غلو وإفراط ، وأكثر هذه الأحاديث المقيدة آنفا ، أخرجها الطبري.
وخرّج أيضا عن يحيى بن جعدة ، قال : كان يقال : اعمل وأنت مشفق ، ودع العمل وأنت تحبه ، عمل دائم وإن قل ، خير من عمل كثير منقطع (٢). وأتى معاذا رجل فقال : أوصني : قال : أمطيعي أنت؟ قال : نعم ، قال : صل ونم ، وأفطر وصم ، واكتسب ولا تأت الله إلا وأنت مسلم ، وإياك ودعوة المظلوم.
وعن إسحاق بن سويد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعبد الله بن مطرف : «يا عبد الله! العلم أفضل من العمل ، والحسنة بين السيئتين ، وخير الأمور أوسطها ، وشر السير الحقحقة» (٣).
ومعنى قوله : إن الحسنة بين السيئتين : أن الحسنة هي القصد والعدل ، والسيئتين مجاوزة الحد والتقصير ، وهو الذي دل على معناه قول الله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (٤) الآية. وقوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) (٥) الآية. ومعنى الحقحقة أرفع السير ، وإتعاب الظهر ، وهو راجع إلى الغلو والإفراط.
ونحوه عن يزيد بن مرة الجعفي قال : العلم خير من العمل ، والحسنة بين السيئتين.
__________________
(١) أخرجه النسائي في كتاب : الحج ، باب : التقاط الحصى (الحديث : ٥ / ٢٦٨).
(٢) أخرج نحوه البخاري في كتاب : الإيمان ، باب : أحب الدين إلى الله أدومه (الأحاديث : ١ / ١٠٩ ، ١١٠). وأخرج نحوه مسلم في كتاب : صلاة المسافرين وقصرها ، باب : فضيلة العمل الدائم من قيام الليل (الحديث : ٧٨٢).
(٣) أخرجه ابن السمعاني في : (ذيل تاريخ بغداد) بسند مجهول عن علي مرفوعا ، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعا : «خير الأعمال أوسطها». وقال العجلوني في (كشف الخفاء) : ابن الفرس : ضيف.
(٤) سورة : الإسراء ، الآية : ٢٩.
(٥) سورة : الفرقان ، الآية : ٦٧.