الناس عليكم بالقصد والقسط ـ ثلاثا ـ فإن الله لن يمل حتى تملوا» (١).
وعن بريدة الأسلمي أن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى رجلا يصلي ، فقال : «من هذا؟» فقلت : هذا فلان ، فذكرت من عبادته وصلاته ، فقال : «إن خير دينكم يسره».
وهذا يشعر بعدم الرضا بتلك الحالة ، وإنما ذلك مخافة الكراهية للعمل ، وكراهية العمل مظنة للترك الذي هو مكروه لمن ألزم نفسه لأجل نقض العهد.
وهو الوجه الرابع : وقد مر في الوجه الثالث ما يدل عليه ، فإن قوله صلىاللهعليهوسلم : «فإن المنبت لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى» (٢) مع قوله : «ولا تبغضوا إلى أنفسكم العبادة» يدل على أن بغض العمل وكراهيته مظنة الانقطاع ، ولذلك مثّل صلىاللهعليهوسلم بالمنبت ـ وهو المنقطع عن استيفاء المسافة ـ وهو الذي دل عليه قول الله تعالى : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) (٣) على التفسير المذكور.
والخامس : الخوف من الدخول تحت الغلوّ في الدين ، فإن الغلوّ هو المبالغة في الأمر ، ومجاوزة الحد فيه إلى حيّز الإسراف ، وقد دلّ عليه مما تقدم أشياء ، حيث قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا أيها الناس عليكم أنفسكم بالقصد» الحديث ، وقال الله عزوجل : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) (٤).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم غداة العقبة : «اجمع لي
__________________
(١) أخرج نحوه البخاري في كتاب : الإيمان ، باب : أحب الدين إلى الله أدومه (الأحاديث : ١ / ١٠٩ ، ١١٠) ، وأخرجه في كتاب : الرقاق ، باب : القصد والمداومة على العمل (الأحاديث : ١٤ / ٧٨ ، ٧٩). وأخرج نحوه مسلم في كتاب : صلاة المسافرين وقصرها ، باب : فضيلة العمل الدائم من قيام الليل (الحديث : ٧٨٢). وأخرج نحوه مالك في الموطأ في كتاب : صلاة الليل ، باب : ما جاء في صلاة الليل (الحديث : ١ / ١١٨). وأخرج نحوه أبو داود في كتاب : صلاة الليل ، باب : ما يؤمر به من القصد في الصلاة (الحديث : ١ / ٣١٥). وأخرج نحوه النسائي في كتاب : صلاة الليل ، باب : الاختلاف على عائشة في إحياء الليل (الحديث : ٣ / ٢١٨).
(٢) تقدم تخريجه ص ٢٤٩ ، الحاشية : ٢.
(٣) سورة : الحديد ، الآية : ٢٧.
(٤) سورة : المائدة ، الآية : ٧٧.