فتأملوا وجه اعتبار النشاط والفراغ من الحقوق المتعلقة ، أو القوة فى الأعمال وكذلك قول عبد الله بن عمرو : «في صيام يوم وإفطار يومين» (١) ليتني طوقت ذلك. إنما يريد المداومة ، لأنه قد كان يوالي الصيام حتى يقولوا لا يفطر.
ولا يعترض هذا المأخذ بقوله صلىاللهعليهوسلم : «أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قلّ» (٢) وإن كان عمله دائما ، لأنه محمول على العمل الذي يشق فيه الدوام.
وأما ما نقل عنهم أدلة صلاة الصبح بوضوء العشاء وقيام جميع الليل ، وصيام الدهر ونحوه ، فيحتمل أن يكون على الشرط المذكور ، وهو أن لا يلتزم ذلك. وإنما يدخل في العمل ما لا يغتنم نشاطه ، فإذا أتى زمان آخر وجد فيه النشاط أيضا ، وإذا لم يخل بما هو أولى عمل كذلك ، فيتفق أن يدوم له هذا النشاط زمانا طويلا.
وفي كل حالة هو في فسحة الترك ، لكنه ينتهز الفرصة مع الأوقات ، فلا بعد في أن يصحبه النشاط إلى آخر العمر ، فيظنه الظان التزاما وليس بالتزام ، وهذا صحيح ، ولا سيما مع سائق الخوف أو حادي الرجاء أو حامل المحبة ، وهو معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «وجعلت قرة عيني في الصلاة» (٣) فلذلك قام صلىاللهعليهوسلم حتى تورمت قدماه ، وامتثل أمر ربه في قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤) الآية.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : صوم الدهر ، وباب : حق الضيف ، وباب : حق الأهل (الحديث : ٤ / ١٩١). وأخرجه مسلم في كتاب : الصوم ، باب : النهي عن صوم الدهر (الحديث : ١١٥٩). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : كم يقرأ القرآن (الحديث : ١٣٨٩). وأخرجه الترمذي في كتاب : الصوم ، باب : في صوم يوم وفطر يوم (الحديث : ٧٧٠). وأخرجه النسائي في كتاب : الصيام ، باب : صوم يوم وإفطار يوم (الأحاديث : ٤ / ٢٠٩ ، ٢١٥).
(٢) تقدم تخريجه ص : ٢٥١ ، الحاشية : ١.
(٣) أخرجه النسائي في كتاب : عشرة النساء ، باب : حب النساء (الحديث : ٧ / ٦١). وأخرجه أحمد في المسند (الأحاديث : ٣ / ١٢٨ ، ١٩٩ ، ٢٨٥).
(٤) سورة : المزمل ، الآية : ٢.