وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (١) وهو معنى البدعة.
فإن قيل : فقد تقدم من نقل ابن العربي في الرهبانية أنها السياحة واتخاذ الصوامع للعزلة ـ قال ـ وذلك مندوب إليه في ديننا عند فساد الزمان. وقد بسط الغزالي هذا الفصل في الإحياء عند ذكر العزلة ، وذكر في كتاب آداب النكاح من ذلك ما فيه كفاية ، وحاصله أن ذلك مشروع ، بل هو الأولى عند عروض العوارض ، وعند ما يصير النكاح ومخالطة الناس وبالا على الإنسان ، ومؤديا إلى اكتساب الحرام والدخول فيما لا يجوز ، كما جاء في الصحيح من قوله صلىاللهعليهوسلم : «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» (٢) وسائر ما جاء في هذا المعنى. وأيضا فإن الله تعالى قال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٣). والتبتل ـ على ما قاله زيد بن أسلم ـ رفض الدنيا من قولهم : بتلت الحبل بتلا إذا قطعته ، ومعناه القطع من كل شيء إلا منه.
وقال الحسن وغيره : بتل إليه نفسك واجتهد. وقال ابن زيد : تفرغ لعبادته هذا إلى ما جاء عن السلف الصالح من الانقطاع إلى عبادة الله ورفض أسباب الدنيا ، والتخلّي عن الحواضر إلى البوادي ، واتخاذ الخلوات في الجبال والبراري حتى إن بعض الجبال الشامية قد خصها الله بالأولياء والمنقطعين إلى لبنان ونحوه ، فما وجه ذلك؟
فالجواب : أن الرهبانية إن كانت بالمعنى المقرر في شرائع الأول فلا نسلم أنها في
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٩ ، الحاشية : ٢.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : الإيمان ، باب : من الدين الفرار من الفتن (الأحاديث : ١ / ٦٥ ، ٦٦). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الاستئذان ، باب : ما جاء في أمر الغنم (الحديث : ١٦ / ٩٧٠). وأخرجه أبو داود في كتاب : الفتن ، باب : ما يرخص من البداوة في الفتنة (الحديث : ٤٢٦٧). وأخرجه النسائي في كتاب : الإيمان ، باب : الفرار بالدين من الفتن (الحديث : ٨ / ١٢٣).
(٣) سورة : المزمل ، الآية : ٨.