وما في الموطإ من صلاة يرفأ ـ هو خادم عمر ـ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الضحى ، فمن فعله في بيته وقتا ما فلا حرج ، ونص العلماء على جواز ذلك بهذا القيد المذكور ، وإن كان الجواز قد وقع في (المدونة) مطلقا ، فما ذكره تقييد له ، وأظن ابن حبيب نقله عن مالك مقيدا ، فإذا اجتمع في النافلة أن تلتزم التزام السنن الرواتب إما دائما وإما في أوقات محدودة وعلى وجه محدود ، وأقيمت في الجماعة في المساجد التي تقام فيها الفرائض ، أو المواضع التي تقام فيها السنن الرواتب فذلك ابتداع ، والدليل عليه أنه لم يأت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين لهم بإحسان فعل هذا المجموع هكذا مجموعا ، وأن أتى مطلقا من غير تلك التقييدات ، فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بدليل الشرع تقييدها رأي في التشريع ، فكيف إذا عارضه الدليل ، وهو الأمر بإخفاء النوافل مثلا؟
ووجه دخول الابتداع هنا أن كل ما واظب عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من النوافل وأظهره في الجماعات فهو سنّة ، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنّة على طريق العمل بالسنّة ، إخراج للنافلة عن مكانها المخصوص بها شرعا ، ثم يلزم من ذلك اعتقاد العوام فيها ومن لا علم عنده أنها سنّة ، وهذا فساد عظيم ، لأن اعتقاد ما ليس بسنة والعمل بها على حد العمل بالسنة نحو من تبديل الشريعة ، كما لو اعتقد في الفرض أنه ليس بفرض ، أو فيما ليس بفرض أنه فرض ، ثم عمل على وفق اعتقاده فإنه فاسد ، فهب العمل في الأصل صحيحا فإخراجه عن بابه اعتقادا وعملا من باب إفساد الأحكام الشرعية ، ومن هنا ظهر عذر السلف الصالح في تركهم سننا قصدا لئلا يعتقد الجاهل أنها من الفرائض كالأضحية وغيرها ـ كما تقدم ذلك ـ.
ولأجله أيضا نهى أكثرهم عن اتباع الآثار ، كما خرّج الطحاوي وابن وضاح وغيرهما عن معرور بن سويد الأسدي قال : وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلما انصرفنا إلى المدينة انصرفت معه فلما صلى لنا صلاة الغداة فقرأ فيها : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) (١) ، و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (٢) ثم رأى ناسا يذهبون مذهبا ، فقال : أين يذهب
__________________
(١) سورة : الفيل ، الآية : ١.
(٢) سورة : قريش ، الآية : ١.