قصده الوقوف عند ما حدّ هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه.
ولذلك مثال فيما نقل عن مالك بن أنس في سماع أشهب وابن نافع هو غاية فيما نحن فيه ، وذلك أن مذهبه في سجود الشكر الكراهية وأنه ليس بمشروع ، وعليه بني كلامه. قال في العتبية : وسئل مالك عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عزوجل شكرا؟ فقال لا يفعل هذا مما مضى من أمر الناس ، قيل له : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ـ فيما يذكرونه ـ سجد يوم اليمامة شكرا لله ، أفسمعت ذلك قال : ما سمعت ذلك وأنا أرى أنهم قد كذبوا على أبي بكر ، وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول : هذا لم تسمعه مني ، قد فتح الله على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى المسلمين بعده ، أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا؟ إذ ما قد كان في الناس وجرى على أيديهم سمع عنهم فيه شيء ، فعليك بذلك فإنه لو كان لذكر ، لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم ، فهل سمعت أن أحدا منهم سجد؟ فهذا إجماع ، وإذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه ـ تمام الرواية ـ وقد احتوت على فرض سؤال والجواب بما تقدم.
وتقرير السؤال : أن يقال في البدعة ـ مثلا ـ إنها فعلت سكت الشارع عن حكمه في الفعل والترك ، فلم يحكم عليه بحكم على الخصوص ، فالأصل جواز فعله ، كما أن الأصل جواز تركه ، إذ هو معنى الجائز. فإن كان له أصل جملي فأحرى أن يجوز فعله حتى يقوم الدليل على منعه أو كراهته ، وإذا كان كذلك ، فليس هنا مخالفة لقصد الشارع ، ولا ثمّ دليل خالفه هذا النطر ، بل حقيقة ما نحن فيه أنه أمر مسكوت عنه عند الشارع ، والسكوت عند الشارع لا يقتضي مخالفة ولا موافقة ، ولا يعين الشارع قصدا ما دون ضده وخلافه ، وإذا ثبت هذا فالعمل به ليس بمخالف إذ لم يثبت في الشريعة نهي عنه.
وتقرير الجواب : معنى ما ذكره مالك رحمهالله ، وهو أن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا إذا وجد المعنى المقتضى له إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان ، إذ لو كان ذلك لائقا شرعا أو سائغا لفعلوه ، فهم كانوا أحق بإدراكه والسبق إلى العمل به وذلك إذا نظرنا إلى المصلحة فإنه لا يخلو إما أن يكون في هذه الأحداث مصلحة أو لا ، والثاني لا يقول به أحد ، والأول إما أن تكون تلك المصلحة الحادثة آكد من المصلحة الموجودة في زمان التكليف أو لا ، ولا يمكن أن يكون مع كون المحدثة زيادة تكليف ، ونقصه عن المكلف أحرى بالأزمنة المتأخرة لما يعلم من قصور الهمم واستيلاء الكسل ، ولأنه خلاف