والآخر مشكوك فيه؟ فيتبع المشكوك في صحته ، ويترك ما لا مرية في صحته ، ولو لعا من يتبعه.
ثم إطلاقه بأن الترك لا يوجب حكما في المتروك إلا جواز الترك ، غير جار على أصول الشرع الثابتة ، فنقول إن هنا أصلا لهذه المسألة لعل الله ينفع به من أنصف في نفسه ، وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألة أو تركه لأمر ما على ضربين :
أحدهما : أن يسكت عنه أو يتركه لأنه لا داعية له تقتضيه ، ولا موجب يقرر لأجله ، ولا وقع سبب تقريره ، كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها ، وإنما حدثت بعد ذلك ، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين ، وإلى هذا الضرب يرجع جميع ما نظر فيه السلف الصالح مما لم يسنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الخصوص مما هو معقول المعنى ، كتضمين الصناع ، ومسألة الحرام والجد مع الإخوة ، وعول الفرائض ، ومنه جمع المصحف ثم تدوين الشرائع ، وما أشبه ذلك مما لم يحتج في زمانه عليهالسلام إلى تقريره للتقديم كلياته التي تستنبط بها منها ، وإذا لم تقع أسباب الحكم فيها ولا الفتوى بها منه عليه الصلاة والسلام ، فلم يذكر لها حكم مخصوص.
فهذا الضرب إذا حدثت أسبابه فلا بد من النظر فيه وإجرائه على أصوله إن كان من العاديات ، أو من العبادات التي لا يمكن الاقتصار فيها على ما سمع ، كمسائل السهو والنسيان في إجراء العبادات ، ولا إشكال في هذا الضرب ، لأن أصول الشرع عتيدة وأسباب تلك الأحكام لم تكن في زمان الوحي ، فالسكوت عنها على الخصوص ليس بحكم يقتضي جواز الترك أو غير ذلك ، بل إذا عرضت النوازل روجع بها أصولها فوجدت فيها ولا يجدها من ليس بمجتهد ، وإنما يجدها المجتهدون الموصوفون في علم أصول الفقه.
والضرب الثاني : أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص أو يترك أمرا ما من الأمور ، وموجبه المقتضى له قائم ، وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجود ثابت إلا أنه لم يحدد فيه أمر زائد على ما كان من الحكم العام في أمثاله ولا ينقص منه ، لأنه لما كان المعنى الموجب لشرعية الحكم العقلي الخاص موجودا ، ثم لم يشرع ولا نبه على السبطا كان صريحا في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة زائدة ومخالفة لقصد الشارع ، إذ فهم من