رَسُولاً) (١) ، وقال تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٢) ، وقال : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (٣) وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث.
فخرجت عن هذا الأصل فرقة زعمت أن العقل له مجال في التشريع ، وأنه محسّن ومقبح ، فابتدعوا في دين الله ما ليس فيه.
ومن ذلك أن الخمر لما حرمت ، ونزل من القرآن في شأن من مات قبل التحريم وهو يشربها ، قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (٤) الآية ، تأولها قوم ـ فيما ذكر ـ على أن الخمر حلال ، وأنها داخلة تحت قوله : (فِيما طَعِمُوا).
فذكر إسماعيل بن إسحاق عن عليّ رضي الله عنه ، قال : «شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يزيد بن أبي سفيان ، فقالوا : هي لنا حلال. وتأولوا هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، قال : فكتب فيهم إلى عمر.
قال : فكتب عمر إليه : أن ابعث بهم إليّ قبل أن يفسدوا من قبلك ، فلما قدموا إلى عمر استشار فيهم الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين! نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينه ما لم يأذن به فاضرب أعناقهم ، وعليّ رضي الله عنه ساكت ، قال : فما تقول يا أبا الحسن؟ فقال : أرى أن تستتيبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين لشربهم الخمر ، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم ، فإنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دين الله ما لم يأذن به» (٥).
فاستتابهم فتابوا ، فضربهم ثمانين ثمانين.
فهؤلاء استحلوا بالتأويل ما حرم الله بنص الكتاب ، وشهد فيهم عليّ رضي الله عنه ، وغيره من الصحابة ، بأنهم شرعوا في دين الله ؛ وهذه هي البدعة بعينها ، فهذا وجه.
__________________
(١) سورة : الإسراء ، الآية : ١٥.
(٢) سورة : النساء ، الآية : ٥٩.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ٥٧.
(٤) سورة : المائدة ، الآية : ٩٣.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الأشربة ، باب : الحد في الخمر (الحديث : ٢ / ٨٤٢).