أما ما تقدم عن القرافي وشيخه فقد مرّ الجواب عنه ، فإنها معاص في الجملة ، ومخالفات للمشروع ، كالمكوس والمظالم وتقديم الجهال على العلماء وغير ذلك.
والمباح منها كالمناخل ، إن فرض مباحا ـ كما قالوا ـ فإنما إباحته بدليل شرعي فلا ابتداع فيه.
وإن فرض مكروها ـ كما أشار إليه محمد بن أسلم ـ فوجه الكراهية عنده كونها عدت من المحدثات ، إذ في الأمر : أول ما أحدث بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم المناخل ـ أو كما قال ـ فأخذ بظاهر اللفظ من أخذ به ، كمحمد بن أسلم.
وظاهره أن ذلك من ناحية السرف والتنعم الذي أشار إلى كراهيته قوله تعالى : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) (١) ، لا من جهة أنه بدعة.
وقولهم : كما يتصور ذلك في العبادات يتصور في العادات مسلّم ، وليس كلامنا في الجواز العقلي ، وإنما الكلام في الوقوع ، وفيه النزاع.
وأما ما احتجوا به من الأحاديث فليس فيها على المسألة دليل واحد ، إذ لم ينص على أنها بدع أو محدثات ، أو ما يشير إلى ذلك المعنى ، وأيضا إن عدوّا كل محدث العادات بدعة ، فليعدوا جميع ما لم يكن فيهم من المآكل والمشارب والملابس والكلام والمسائل النازلة التي لا عهد بها في الزمان الأول بدعا ، وهذا شنيع ، فإن من العوائد ما تختلف بحسب الأزمان والأمكنة والاسم ، فيكون كل من خالف العرب الذين أدركوا الصحابة واعتادوا مثل عوائدهم غير متبعين لهم ، هذا من المستنكر جدّا.
نعم لا بدّ من المحافظة في العوائد المختلفة على الحدود الشرعية والقوانين الجارية على مقتضى الكلام والسنّة.
وأيضا : فقد يكون التزام الزي الواحد والحالة الواحدة أو العادة الواحدة تعبا ومشقة لاختلاف الأخلاق والأزمنة والبقاع والأحوال ، والشريعة تأبى التضييق والحرج فيما دل الشرع على جوازه ولم يكن ثمّ معارض.
__________________
(١) سورة : الأحقاف ، الآية : ٢٠.