حيث هو توقيت معلوم معقول ، فإيجابه أو إجازته بالرأي ـ كما تقدم من أمثلة بدع الخوارج ومن داناهم من الفرق الخارجة عن الجادة ـ فظاهر.
ومن ذلك ، القول بالتحسين والتقبيح العقلي ، والقول بترك العمل بخبر الواحد ، وما أشبه ذلك.
فالقول بأنه بدعة قد تبين وجهه واتضح مغزاه ، وإنما يبقى وجه آخر يشبهه وليس به ، وهو أن المعاصي والمنكرات والمكروهات قد تظهر وتفشو ، ويجري العمل بها بين الناس على وجه لا يقع لها إنكار من خاص ولا عام ، فما كان منها هذا شأنه : هل يعد مثله بدعة أم لا؟
فالجواب : إن مثل هذه المسألة لها نظران :
أحدهما : نظر من حيث وقوعها عملا واعتقادا في الأصل ، فلا شك أنها مخالفة لا بدعة ، إذ ليس من شرط كون الممنوع والمكروه غير بدعة أن لا ينشرها ولا يظهرها أنه ليس من شرط أن تنشر ، بل لا تزول المخالفة ظهرت أو لا ، واشتهرت أم لا ، وكذلك دوام العمل أو عدم دوامه لا يؤثر في واحدة منهما ، والمبتدع قد يقام عن بدعة ، والمخالف قد يدوم على مخالفته إلى الموت ، عياذا بالله.
والثاني : نظر من جهة ما يقترن بها من خارج ، فالقرائن قد تقترن ، فتكون سببا في مفسدة حالية ، وفي مفسدة مالية ، كلاهما راجع إلى اعتقاد البدعة.
أما الحالية فبأمرين :
الأول : أن يعمل بها الخواص من الناس عموما ، وخاصة العلماء خصوصا ، وتظهر من جهتهم ، وهذه مفسدة في الإسلام ينشأ عنها عادة من جهة العوام استسهالها واستجازتها ، لأن العالم المنتصب مفتيا للناس بعمله كما هو مفت بقوله ، فإذا نظر إليه الناس يعمل ما يأمر هو بمخالفته حصل في اعتقادهم جوازه ، ويقولون : لو كان ممنوعا أو مكروها لامتنع منه العالم.
هذا ، وإن نص على منعه أو كراهته ، فإن عمله معارض لقوله ، فإما أن يقول العامي : إن العالم خالف بذلك ، ويجوز عليه مثل ذلك ، وهم عقلاء الناس ، وهم الأقلون.