فإن القضية فيه أحرى ، ووجه المصلحة هنا ظاهر ، فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك النظام بطلب شوكة الإمام ، وصارت ديارنا عرضة لاستيلاء الكفار.
وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام بعدله ، فالذين يحذرون من الدواهي لو تنقطع عنهم الشوكة ، يستحقرون بالإضافة إليها أموالهم كلها ، فضلا عن اليسير منها ، فإذا عورض هذا الضرر العظيم بالضرر اللاحق لهم يأخذ البعض من أموالهم ، فلا يتمارى في ترجيح الثاني عن الأول ، وهو مما يعلم من مقصود الشرع قبل النظر في الشواهد.
والملائمة الأخرى ، أن الأب في طفله ، أن الوصي في يتيمه ، أو الكافل فيمن يكلفه ، مأمور برعاية الأصلح له ، وهو يصرف ماله إلى وجوه من النفقات أو المؤمن المحتاج إليها ، وكلّ ما يراه سببا لزيادة ماله أو حراسته من التلف جاز له بذل المال في تحصيله. ومصلحة الإسلام عامة لا تتقاصر عن مصلحة طفل ؛ ولا نظر إمام المسلمين يتقاعد عن نظر واحد من الآحاد في حق محجوره.
ولو وطئ الكفار أرض الإسلام لوجب القيام بالنصرة ، وإذا دعاهم الإمام وجبت الإجابة ، وفيه إتعاب النفوس وتعريضها إلى الهلكة ، زيادة إلى انفاق المال ، وليس ذلك إلا لحماية الدين ، ومصلحة المسلمين.
فإذا قدرنا هجومهم واستشعر الإمام في الشوكة ضعفا وجب على الكافة إمدادهم ، كيف والجهاد في كل سنّة واجب على الخلق؟ وإنما يسقط باشتغال المرتزقة ، فلا يتمارى في بذل المال لمثل ذلك.
وإذا قدرنا انعدام الكفار الذين يخاف من جهتهم ، فلا يؤمن من انفتاح باب الفتن بين المسلمين فالمسألة على حالها كما كانت ، وتوقع الفساد عتيد ، فلا بد من الحراس.
فهذه ملاءمة صحيحة ، إلا أنها في محل ضرورة ، فتقدر بقدرها ، فلا يصح هذا الحكم إلا مع وجودها ، والاستقراض في الأزمات إنما يكون حيث يرجى لبيت المال دخل ينتظر أو يرتجى ، وأما إذا لم ينتظر شيء وضعفت وجوه الدخل بحديث لا يغني كبير شيء ، فلا بد من جريان حكم التوظيف.
وهذه المسألة نصّ عليها الغزالي في مواضع من كتبه ، وتلاه في تصحيحها ابن العربي