المناسب الظاهر للعقول ، فإنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية ، نعم مع مراعاة مقصود الشارع أن لا يخرج عنه ولا يناقض أصلا من أصوله ، حتى لقد استشنع العلماء كثيرا من وجوه استرساله زاعمين أنه خلع الربقة ، وفتح باب التشريع ، وهيهات ما أبعده من ذلك! رحمهالله ، بل هو الذي رضي لنفسه في فقهه بالاتباع ، بحيث يخيل لبعض أنه مقلد لمن قبله ، بل هو صاحب البصيرة في دين الله ـ حسبما بين أصحابه في كتاب سيره.
بل حكي عن أحمد بن حنبل أنه قال : إذا رأيت الرجل يبغض مالكا فاعلم أنه مبتدع ، وهذه غاية في الشهادة بالاتباع.
وقال أبو داود : أخشى عليه البدع (يعني : المبغض لمالك).
وقال ابن مهدي : إذا رأيت الحجازي يحب مالك بن أنس فاعلم أنه صاحب سنّة ، وإذا رأيت أحدا يتناوله فاعلم أنه على خلاف السنة.
وقال إبراهيم بن يحيى بن هشام : ما سمعت أبا داود لعن أحدا قط إلا رجلين : أحدهما : رجل ذكر له أنه لعن مالكا ، والآخر : بشر المريسي.
وعلى الجملة فغير مالك أيضا موافق له في أن أصل العبادات عدم معقولية المعنى ، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل ، فالأصل متفق عليه عند الأمة ، ما عدا الظاهرية ، فإنهم لا يفرقون بين العبادات والعادات ، بل الكل تعبد غير معقول المعنى ، فهم أحرى بأن لا يقولوا بأصل المصالح فضلا عن أن يعتقدوا المصالح المرسلة.
والثالث : إن حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري ، ورفع حرج لازم في الدين ، وأيضا مرجعها إلى حفظ الضروري من باب «ما لم يتم الواجب إلا به ..» فهي إذا من الوسائل لا من المقاصد ، ورجوعها إلى رفع الحرج راجع إلى باب التخفيف لا إلى التشديد.
أما رجوعها إلى ضروري فقد ظهر من الأمثلة المذكورة.
وكذلك رجوعها إلى رفع حرج لازم ، وهو إما لاحق بالضروري ، وإما من الحاجيّ ، وعلى كل تقدير فليس فيها ما يرجع إلى التقبيح والتزيين البتة ، فإن جاء من وإما ذلك شيء :