اطمأنت نفسك إلى هذا العمل فهو برّ ، أو : استفت قلبك في إحداث هذا العمل ، فإن اطمأنت إليه نفسك فاعمل به وإلّا فلا.
وكذلك في النسبة إلى التشريع التّركي ، لا يتأتّى تنزيل معاني الأحاديث عليه بأن يقال : إن اطمأنت نفسك إلى ترك العمل الفلاني فاتركه ، وإلّا فدعه ، أي : فدع الترك واعمل به.
وإنما يستقيم إعمال الأحاديث المذكورة فيما أعمل فيه قوله عليه الصلاة والسلام : «الحلال بيّن والحرام بيّن» الحديث.
وما كان من قبيل العادات من استعمال الماء والطعام والشراب والنكاح واللباس ، وغير ذلك مما في هذا المعنى ، فمنه ما هو بيّن الحلّيّة وما هو بيّن التحريم ، وما فيه إشكال ، وهو الأمر المشتبه الذي لا يدري أحلال هو أم حرام؟ فإن ترك الإقدام أولى من الإقدام مع جهله بحاله ، نظير قوله عليه الصلاة والسلام : «إني لأجد التمرة ساقطة على فراشي ، فلولا أني أخشى أن تكون صدقة لأكلتها» (١) فهذه التمرة لا شك أنها لم تخرج من إحدى الحالين : إما من الصدقة وهي حرام عليه ، وإما من غيرها وهي حلال له ، فترك أكله حذرا من أن تكون من الصدقة في نفس الأمر.
قال الطبري : فكذلك حق الله على العبد فيما اشتبه عليه مما هو في سعة من تركه والعمل به ، أو مما هو غير واجب ـ أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ، إذ يزول بذلك عن نفسه الشك ، كمن يريد خطبة امرأة فتخبره امرأة أنها قد أرضعته وإياها ولا يعلم صدقها من كذبها ، فإن تركها أزال عن نفسه الريبة اللاحقة له بسبب إخبار المرأة ، وليس تزوجه إياها بواجب ، بخلاف ما لو أقدم ، فإن النفس لا تطمئن إلى حلّيّة تلك الزوجة.
وكذلك قول عمر إنما هو فيما أشكل أمره في البيوع فلم يدر حلال هو أم حرام؟ ففي تركه سكون النفس وطمأنينة القلب ، كما في الإقدام شك : هل هو آثم أم لا؟ وهو معنى قوله عليهالسلام للنواس ووابصة رضي الله عنهما. ودلّ على ذلك حديث المشتبهات ، لا ما ظنّ
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الزكاة ، باب : ما يذكر في الصدقة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وباب : أخذ صدقة التمر عند صرام النخيل ، وأخرجه في كتاب : الجهاد ، باب : من تكلم بالفارسية والرطانة (الحديث : ٣ / ٢٨٠). وأخرجه مسلم في كتاب : الزكاة ، باب : تحريم الزكاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى آله (الحديث : ١٠٦٩).