حلّ قتالهم ، ولئن كانوا كافرين لقد حلّ قتالهم وسبيهم ـ قال ـ : قلت : وما ذا أيضا؟ قالوا : ومحا نفسه من إمرة المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ـ قال ـ : قلت : أرأيتم إن أتيتكم من كتاب الله وسنّة رسوله بما ينقض قولكم هذا ، أترجعون؟ قالوا : وما لنا لا نرجع؟
قال ـ : قلت : أما قولكم حكم الرجال في أمر الله ، فإن الله قال في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) وقال في المرأة وزوجها : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (٢) فصير الله ذلك إلى حكم الرجال ، فناشدتكم الله! أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب ثمنه ربع درهم؟ وفي بضع امرأة؟ قالوا : بلى! هذا أفضل ، قال : أخرجتم من هذه؟ قالوا : نعم!
قال وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم عائشة؟ فإن قلتم ، نسبيها فنستحل منها ما نستحل من غيرها ، فقد كفرتم ، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم ، فأنتم ترددون بين ضلالتين ، أخرجتم من هذه؟ قالوا : بلى!
قال : وأما قولكم : محا نفسه من إمرة المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون إن نبيّ الله يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو : ما نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، قال رسول الله : «اللهم إنك تعلم أني رسولك ، يا علي اكتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو» (٣) قال : فرجع منهم ألفان وبقي بقيتهم فخرجوا فقتلوا أجمعون.
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٩٥.
(٢) سورة : النساء ، الآية : ٣٥.
(٣) أخرج نحوه البخاري في كتاب : الشروط ، باب : الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ، وباب : ما يجوز من الشروط في الإسلام ، وأخرجه في كتاب : الحج ، باب : من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم ، وباب : النحر قبل الحلق في الحصر ، وأخرجه في كتاب : المغازي ، باب : غزوة الحديبية ، وأخرجه في كتاب : تفسير سورة الممتحنة (الأحاديث : ٥ / ٢٤١ ، ٢٦٠). وأخرجه أبو داود في كتاب : الجهاد ، باب : في صلح العدو (الأحاديث : ٢٧٦٥ ، ٢٧٦٦) ، وأخرجه في كتاب : السنة ، باب : في الخلفاء (الحديث : ٤٦٥٥).