وكذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١) فجعل ذلك التفريق في الدين ، ولفظ الدين ، ويشمل العقائد وغيرها ، وقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢). فالصراط المستقيم هو الشريعة على العموم ، وشبه ما تقدم في السورة من تحريم ما ذبح لغير الله وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيره ، وإيجاب الزكاة ، كل ذلك على أبدع نظم وأحسن سياق.
ثم قال تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (٣) فذكر أشياء من القواعد وغيرها ، فابتدأ بالنهي عن الإشراك ، ثم الأمر ببرّ الوالدين ، ثم النهي عن قتل الأولاد ، ثم عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ثم عن قتل النفس بإطلاق ، ثم عن أكل مال اليتيم ، ثم الأمر بتوفية الكيل والوزن ، ثم العدل في القول ، ثم الوفاء بالعهد.
ثم ختم ذلك بقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
فأشار إلى ما تقدم ذكره من أصول الشريعة وقواعدها الضرورية ، ولم يخص ذلك بالعقائد ، فدلّ على أن إشارة الحديث لا تختص بها دون غيرها.
وفي حديث الخوارج ما يدل عليه أيضا فإن ذمهم بعد أن ذكر أعمالهم ، وقال في جملة ما ذمهم به : «يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم» (٤) فذمهم بترك التدبر والأخذ بظواهر المتشابهات.
كما قالوا : حكم الرجال في دين الله ، والله يقول : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (٥).
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥١.
(٤) تقدم تخريجه ص : ٣٧٨ ، الحاشية : ١.
(٥) سورة : الأنعام ، الآية : ٥٧.