أنزلت ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر منه» (١).
وهذه المسألة إنما هي إشكال وقع لبعض الصحابة في نقل الشرع بيّن لهم جوابه النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكن ذلك دليلا على أن فيه اختلافا ، فإن الاختلاف بين المكلفين في بعض معانيه أو مسائله لا يستلزم أن يكون فيه نفسه اختلاف ، فقد اختلفت الأمم في النبوات ولم يكن ذلك دليلا على وقوع الاختلاف في نفس النبوات ، واختلفت في مسائل كثيرة من علوم التوحيد ولم يكن اختلافهم دليلا على وقوع الاختلاف فيما اختلفوا فيه ، فكذلك ما نحن فيه.
وإذا ثبت هذا صحّ منه أن القرآن في نفسه لا اختلاف فيه ، ثم نبني على هذا معنى آخر ، وهو أنه لما تبين تنزهه عن الاختلاف ، صحّ أن يكون حكما بين جميع المختلفين ، لأنه إنما يقرر معنى هو الحق ، والحق لا يختلف في نفسه ، فكل اختلاف صدر من مكلف فالقرآن هو المهيمن عليه ، قال الله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٢) فهذه الآي وما أشبهها صريحة في الرد إلى كتاب الله تعالى وإلى سنّة نبيّه ، لأن السنّة بيان الكتاب ، وهو دليل على أن الحق فيه واضح ، وأن البيان فيه شاف ، لا شيء بعده يقوم مقامه ، وهكذا فعل الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم كانوا إذا اختلفوا في مسألة ردوها إلى الكتاب والسنة ، وقضاياهم شاهدة بهذا المعنى ، لا يجهلها من زاول الفقه ، فلا فائدة في
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : فضائل القرآن ، باب : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، وباب : من لم ير بأسا أن يقول : سورة البقرة وسورة كذا ، وأخرجه في كتاب : الخصومات ، باب : كلام الخصوم بعضهم في بعض ، وأخرجه في كتاب : التوحيد ، باب : قول الله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (الأحاديث : ٩ / ٢٠ ، ٢١). وأخرجه مسلم في كتاب : الصلاة ، باب : بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف (الحديث : ٨١٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : أنزل القرآن على سبعة أحرف (الحديث : ١٤٧٥). وأخرجه الترمذي في كتاب : القراءات ، باب : ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف (الحديث : ٢٩٤٤). وأخرجه النسائي في كتاب : الصلاة ، باب : جامع القرآن (الأحاديث : ٢ / ١٥٠ ، ١٥٢). وأخرجه الإمام مالك في الموطأ في كتاب : القرآن ، باب : ما جاء في القرآن (الحديث : ١ / ٢٠١).
(٢) سورة : النساء ، الآية : ٥٩.