ففي كل يوم كنت تهدم بدعة |
|
وتبني لنا من سنّة ما تهدما |
ومن كلامه الذي عني به ويحفظه العلماء وكان يعجب مالكا جدّا ، وهو أن قال : سنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها ، من عمل بها مهتد ، ومن انتصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.
وبحق وكان يعجبهم فإنه كلام مختصر جمع أصولا حسنة من السنة : منها ما نحن فيه لأن قوله : ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء من خالفها ، قطع لمادة الابتداع جملة ، وقوله : من عمل بها مهتد ـ إلى آخر الكلام ـ مدح لمتبع السنة وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك ، وهو قول الله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (١). ومنها ما سنّه ولاة الأمر من بعد النبي صلىاللهعليهوسلم فهو سنّة لا بدعة فيه البتة ، وإن لم يعلم في كتاب الله ولا سنّة نبيه صلىاللهعليهوسلم نص عليه على الخصوص ، فقد جاء ما يدل عليه في الجملة ، وذلك نص حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قال فيه : «فعليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين والمهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور» (٢) فقرن عليه الصلاة والسلام ـ كما ترى ـ سنّة الخلفاء الراشدين بسنته وإن من اتباع سنته اتباع سنتهم ، وإن المحدثات خلاف ذلك ليست منها في شيء ، لأنهم رضي الله عنهم فيما سنوه إما متبعون لسنّة نبيهم عليهالسلام نفسها ، وإما متبعون لما فهموا من سنته صلىاللهعليهوسلم في الجملة والتفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثله ، لا زائد على ذلك ، وسيأتي بيانه بحول الله.
على أن أبا عبد الله الحاكم نقل عن يحيى بن آدم قول السلف الصالح : سنة أبي بكر
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ١١٥.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٣٣ ، الحاشية : ٢.